الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

يقول تعالـى ذكره لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: { يا نِساءَ النَّبِـيّ لَسْتُنَّ كأحَدٍ مِنَ النِّساءِ } من نساء هذه الأمة { إنِ اتَّقَـيْتُنَّ الله } فأطعتنه فـيـما أمركنّ ونهاكنّ، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يا نِساءَ النَّبِـيّ لَسْتُنَّ كأحَدٍ مِنَ النِّساءِ } يعنـي من نساء هذه الأمة. وقوله: { فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ } يقول: فلا تلنّ بـالقول للرجال فـيـما يبتغيه أهل الفـاحشة منكنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { يا نِساءَ النَّبِـيّ لَسْتُنَّ كأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَـيْتُنَّ فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ } يقول: لا ترخصن بـالقول، ولا تـخضعن بـالكلام. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { فَلا تَـخْضَعْنَ بـالقَوْلِ } قال: خضع القول ما يكره من قول النساء للرجال مـما يدخـل فـي قلوب الرجال. وقوله: { فَـيَطْمَعَ الَّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ } يقول: فـيطمع الذي فـي قلبه ضعف فهو لضعف إيـمانه فـي قلبه، إما شاكّ فـي الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستـخفّ بحدود الله، وإما متهاون بإتـيان الفواحش. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: إنـما وصفه بأن فـي قلبه مرضاً، لأنه منافق. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَـيَطْمَعَ الَّذِي فِـي قَلْبِه مَرَضٌ } قال: نفـاق. وقال آخرون: بل وصفه بذلك لأنهم يشتهون إتـيان الفواحش. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة { فَـيَطْمَعَ الَّذِي فِـي قَلْبِهِ مَرَضٌ } قال: قال عكرمة: شهوة الزنا. وقوله: { وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفـاً } يقول: وقلن قولاً قد أذن الله لكم به وأبـاحه. كما: حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفـاً } قال: قولاً جميلاً حسناً معروفـاً فـي الـخير. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { وَقَرْنَ فِـي بُـيُوتِكُنَّ } فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض الكوفـيـين: { وَقَرْنَ } بفتـح القاف، بـمعنى: واقررن فـي بـيوتكنّ، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولـى من اقررن، وهي مفتوحة، ثم نقلها إلـى القاف، كما قـيـل:فَظَلْتُـمْ تَفَكَّهُونَ } وهو يريد فظللتـم، فأسقطت اللام الأولـى وهي مكسورة، ثم نُقلت كسرتها إلـى الظاء. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: «وَقِرْنَ» بكسر القاف، بـمعنى: كنّ أهل وقار وسكينة { فِـي بُـيُوتِكُنَّ }. وهذه القراءة وهي الكسر فـي القاف أَولـى عندنا بـالصواب، لأن ذلك إن كان من الوقار علـى ما اخترنا، فلا شكّ أن القراءة بكسر القاف، لأنه يقال: وقر فلان فـي منزله فهو يقر وقوراً، فتكسر القاف فـي تفعل فإذا أمر منه قـيـل: قرّ، كما يقال من وزن: يزن زن، ومن وَعد: يعِد عِد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7