الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: { وَرَسُولاً }: ونـجعله رسولاً إلـى بنـي إسرائيـل، فترك ذكر «ونـجعله»، لدلالة الكلام علـيه، كما قال الشاعر:
ورأيتِ زَوْجَكِ فـي الوَغَى   مُتَقَلِّداً سَيْفـاً وَرُمْـحا
وقوله: { أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رَّبّكُمْ } بـمعنى: ونـجعله رسولاً إلـى بنـي إسرائيـل بأنه نبـيّ وبشير ونذير وحجتـي عن صدقـي علـى ذلك، أنـي قد جئتكم بآية من ربكم، يعنـي بعلامة من ربكم تـحقق قولـي وتصدّق خبري، أنـي رسول من ربكم إلـيكم. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَّبّكُمْ } أي تـحقق بها نبوّتـي، وأنـي رسول منه إلـيكم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ ٱللَّهِ }. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: ورسولاً إلـى بنـي إسرائيـل أنـي قد جئتكم بآية من ربكم. ثم بـين عن الآية ما هي، فقال: { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ }. فتأويـل الكلام: ورسولاً إلـى بنـي إسرائيـل بأنـي قد جئتكم بآية من ربكم بأن أخـلق لكم من الطين كهيئة الطير. والطير جمع طائر. واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الـحجاز: «كهيئة الطائر فأنفخ فـيه فـيكون طائراً»، علـى التوحيد. وقرأه آخرون: { كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا } علـى الـجماع كلـيهما. وأعجب القراءات إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ: { كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا } ، علـى الـجماع فـيهما جميعاً، لأن ذلك كان من صفة عيسى أنه يفعل ذلك بإذن الله، وأنه موفق لـخط الـمصحف، واتبـاع خط الـمصحف مع صحة الـمعنى، واستفـاضة القراءة به أعجب إلـيّ من خلاف الـمصحف. وكان خـلق عيسى: ما كان يخـلق من الطير. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، قال: ثنا ابن إسحاق: أن عيسى صلوات الله علـيه، جلس يوماً مع غلـمان من الكتاب، فأخذ طيناً، ثم قال: أجعل لكم من هذا الطين طائراً؟ قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم بإذن ربـي! ثم هيأه حتـى إذا جعله فـي هيئة الطائر نفخ فـيه، ثم قال: كن طائراً بإذن الله فخرج يطير بـين كفـيه، فخرج الغلـمان بذلك من أمره فذكروه لـمعلـمهم، فأفشوه فـي الناس. وترعرع. فهمّت به بنو إسرائيـل، فلـما خافت أمه علـيه حملته علـى حُمَيِّر لها ثم خرجت به هاربة. وذكر أنه لـما أراد أن يخـلق الطير من الطين سألهم: أيّ الطير أشدّ خـلقاً؟ فقـيـل له الـخفـاش. كما: حدثنا القاسم قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قوله: { أَنِى أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ ٱلطّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } قال: أيّ الطير أشدّ خـلقاً؟ قالوا: الـخفـاش إنـما هو لـحم، قال ففعل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6