الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الـحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قـيس، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } قال: أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان، فلـم يقبل منهم إلا «لا إلٰه إلاّ الله»، أو السيف. ثم أُمِرَ فـيـمن سواهم بأن يقبل منهم الـجزية فقال: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ }. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } قال: كانت العرب لـيس لها دين، فأكرهوا علـى الدين بـالسيف، قال: ولا يكره الـيهود ولا النصارى والـمـجوس إذا أعطوا الـجزية. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، قال: سمعت مـجاهداً يقول لغلام له نصرانـي: يا جرير أسلـمٰ ثم قال: هكذا كان يقال لهم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ } قال: وذلك لـما دخـل الناس فـي الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الـجزية. وقال آخرون: هذه الآية منسوخة، وإنـما نزلت قبل أن يفرض القتال. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: سألت زيد بن أسلـم عن قول الله تعالـى ذكره: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بـمكة عشر سنـين لا يُكره أحداً فـي الدين، فأبى الـمشركون إلا أن يقاتلوهم، فـاستأذن الله فـي قتالهم، فأذن له. وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فـي خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالـى ذكره: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } أهل الكتابـين والـمـجوس، وكل من جاء إقراره علـى دينه الـمخالف دين الـحق، وأخذ الـجزية منه. وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً. وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لـما قد دللنا علـيه فـي كتابنا كتاب «اللطيف من البـيان عن أصول الأحكام» من أن الناسخ غير كائن ناسخاً إلا ما نفـى حكم الـمنسوخ، فلـم يجز اجتـماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وبـاطنه الـخصوص، فهو من الناسخ والـمنسوخ بـمعزل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستـحيـل أن يقال: لا إكراه لأحد مـمن أخذت منه الـجزية فـي الدين، ولـم يكن فـي الآية دلـيـل علـى أن تأويـلها بخلاف ذلك، وكان الـمسلـمون جميعاً قد نقلوا عن نبـيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره علـى الإسلام قوماً، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالـمرتدّ عن دينه دين الـحقّ إلـى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين علـى الإسلام بقبوله الـجزية منه، وإقراره علـى دينه البـاطل، وذلك كأهل الكتابـين، ومن أشبههم كان بـيّناً بذلك أن معنى قوله: { لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } إنـما هو لا إكراه فـي الدين لأحد مـمن حل قبول الـجزية منه بأدائه الـجزية، ورضاه بحكم الإسلام.

PreviousNext
1 2 3 5 6 7 8