الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت. وفـي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفـاء بدلالة ما ظهر منه علـيه. وذلك أن معنى الكلام: ولـما برزوا لـجالوت وجنوده، قالوا: ربنا أفرغ علـينا صبراً، وثبت أقدامنا وانصرنا علـى القوم الكافرين فـاستـجاب لهم ربهم، فأفرغ علـيهم صبره، وثبت أقدامهم ونصرهم علـى القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله. ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفـاء بدلالة قوله: { فَهَزَمُوهُمْ بإذْنِ اللّهِ } علـى أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به. ومعنى قوله: { فَهَزَمُوهُمْ بإذْنِ اللّهِ } قتلوهم بقضاء الله وقدره، يقال منه: هزم القوم الـجيش هزيـمة وهِزِّيـمَى. { وَقَتَل دَاوُدُ جالُوتَ } وداود هذا هو داود بن إيشى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم. وكان سبب قتله إياه كما: حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا بكار بن عبد الله، قال: سمعت وهب بن منبه يحدّث، قال: لـما خرج، أو قال: لـما برز طالوت لـجالوت، قال جالوت: أبرزوا لـي من يقاتلنـي، فإن قتلنـي، فلكم ملكي، وإن قتلته فلـي ملككم فأتـي بداود إلـى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكِّمه فـي ماله. فألبسه طالوت سلاحاً، فكره داود أن يقاتله، وقال: إن الله لـم ينصرنـي علـيه لـم يغن السلاح. فخرج إلـيه بـالـمقلاع وبـمخلاة فـيها أحجار، ثم برز له، قال له جالوت: أنت تقاتلنـي؟ قال داود: نعم. قال: ويـلك أما تـخرج إلـيّ إلا كما يخرج إلـى الكلب بـالـمقلاع والـحجارة؟ لأبددنّ لـحمك، ولأطعمنه الـيوم الطير والسبـاع فقال له داود: بل أنت عدوّ الله شرّ من الكلب. فأخذ داود حجراً ورماه بـالـمقلاع، فأصابت بـين عينـيه حتـى نفذت فـي دماغه، فصرع جالوت، وانهزم من معه، واحتزّ داود رأسه. فلـما رجعوا إلـى طالوت ادّعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتـي بـالسيف وبـالشيء من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه، فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله. فجاء به داود. ثم قال لطالوت: أعطنـي ما وعدتنـي فندم طالوت علـى ما كان شرط له، وقال: إن بنات الـملوك لا بد لهنّ من صداق، وأنت رجل جريء شجاع، فـاحتـمل صداقها ثلثمائة غلْفة من أعدائنا وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمائة، وقطع غُلَفهم وجاء بها، فلـم يجد طالوت بدّا من أن يزوّجه. ثم أدركته الندامة، فأراد قتل داود حتـى هرب منه إلـى الـجبل، فنهض إلـيه طالوت فحاصره. فلـما كان ذات لـيـلة سلط النوم علـى طالوت وحرسه، فهبط إلـيهم داود، فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ، وقطع شعرات من لـحيته وشيئاً من هُدْب ثـيابه، ثم رجع داود إلـى مكانه، فناده أن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد