الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

يعنـي تعالـى ذكره: { فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ } فلـما يئسوا منه من أن يخـلـى يوسف عن بنـيامين ويأخذ منهم واحداً مكانه وأن يجيبهم إلـى ما سألوه من ذلك. وقوله: { اسْتَـيْأَسُوا } استفعلوا، من يئس الرجل من كذا يـيأس. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { فَلَـمَّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ } يئسوا منه ورأوا شدّته فـي أمره. وقوله: { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } يقول بعضهم لبعض: يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم. والنـجيّ جماعة القوم الـمنتـجين يسمى به الواحد والـجماعة، كما يقال: رجل عدل ورجال عدل، وقوم زور وفطر، وهو مصدر من قول القائل: نـجوت فلاناً أنـجوه نـجيًّا، جعل صفة ونعتاً. ومن الدلـيـل علـى أن ذلك كما ذكرنا قول الله تعالـى: { وَقَرَّبْناهُ نَـجِيًّا } فوصف به الواحد، وقال فـي هذا الـموضع: { خَـلَصوا نَـجِيًّا } فوصف به الـجماعة، ويجمع النَّـجِيّ أنـجية، كما قال لبـيد:
وشَهدْتُ أنْـجِيَةَ الأُفـاقَةِ عالِـياً   كَعْبِـي وأرْدَافُ الـمُلُوكِ شُهُودُ
وقد يقال للـجماعة من الرجال: نـجوى، كما قال جلّ ثناؤه:وَإذْ هُمْ نَـجْوَى } وقال:ما يَكُونُ مِنْ نَـجْوَى ثَلاثَةٍ } وهم القوم الذين يتناجون. وتكون النـجوى أيضاً مصدراًكما قال الله:وإنَّـمَا النَّـجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ } تقول منه: نـجوت أنـجو نـجوى، فهي فـي هذا الـموضع: الـمناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر:
بُنَـيَّ بَدَا خِبُّ نَـجْوَى الرّجالِ   فَكُنْ عِنْدَ سِرّكَ خَبَّ النَّـجِي
فـالنـجوى والنـجيّ فـي هذا البـيت بـمعنى واحد، وهو الـمناجاة، وقد جمع بـين اللغتـين. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسبـاط، عن السديّ: { فَلَـمَّا اسْتَـيْأَسُوا مِنْهُ خَـلَصُوا نَـجِيًّا } وأخـلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خَـلَوْا بـينهم نـجيًّا يتناجون بـينهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { خَـلَصُوا نَـجِيًّا } خـلصوا وحدهم نـجيًّا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: { خَـلَصُوا نَـجِيًّا }: أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون. وقوله: { قالَ كَبِـيرُهُمْ } اختلف أهل العلـم فـي الـمعنـيّ بذلك، فقال بعضهم: عنى به كبـيرهم فـي العقل والعلـم، لا فـي السنّ، وهو شمعون، قالوا: وكان روبـيـل أكبر منه فـي الـميلاد. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله تعالـى: { قالَ كَبـيرُهُمْ } قال: هو شمعون الذي تـخـلف، وأكبر منه، وأكبر منهم فـي الـميلاد روبـيـل. حدثنا الـحسن بن مـحمد، قال: ثنا شبـابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { قالَ كَبـيرهُمْ }: شمعون الذي تـخـلف، وأكبر منه فـي الـميلاد روبـيـل. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

السابقالتالي
2 3