الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

الرسول هو المبعوث من المرسِل الحق سبحانه إلينا نحن العباد. والحق سبحانه هو الفاعل الأول، المطلق الذي لا فاعل يزاحمه، والمفعول الأول بالرسالة هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والمفعول الثاني هو نحن. وهناك في النحو المفعول معه، وهناك أيضاً المفعول له، والمفعول فيه، والمفعول به، وأيضاً يوجد المفعول إليه والمثال على المفعول إليه قوله تعالى:تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [النحل: 63]. وفيه أيضا المفعول منه. والمثال على المفعول منه هو قوله الحق:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } [الأعراف: 155]. و " قومه " هي مفعول منه. لأنه اختار من قومه سبعين رجلا ممن لم يعبدوا العجل ليعتذروا عمن عبد العجل ويسألوا الله أن يكشف عنهم البلاء. إن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي البلاغ ما على الرسول إلا البلاغ، أما تنفيذ البلاغ فهو دور المؤمنين برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أدوْها فلهم الجنة، وإن لم يؤدُّوها فعليهم العقاب. وأراد الحق أن يكون البلاغ من رسوله مصحوبا بالأسوة السلوكية منه صلى الله عليه وسلم، فالرسول يبلغ وينفذ أمامنا ما بلغ به حتى نتبعه، ولذلك قال الحق:لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]. وهذا ما ينقض ادعاء الألوهية لبشر. فلو كان هناك إله رسول لقال الناس: كيف نتبع هذا الرسول وله من الصفات والخصائص ما يختلف عنا نحن البشر؟ إن الرسول لا يستقيم ولا يصح أن يكون إلها لأنه هو الأسوة والقدوة للمرسل إليهم. إنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويفعل غير ذلك من الأفعال، ويأمر من أرسل إليهم أن يتبعوه فيما يفعل، فلو كان إلها فإن المرسَل إليهم - وهم البشر - لا يقدرون على أن يفعلوا مثل ما يفعل لأنه إله وطبيعته تختلف عن طبيعتم ولذلك لا يستطيعون التأسي والاقتداء به، فالأسوة لا تتأتى إلا إذا كان الرسول من جنس المرسل إليهم.. أي يكون بشراً بكل أغيار البشر. والحق سبحانه قال:وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94]. أي أن البشر تساءلوا - جهلاً - عما يمنع الله - سبحانه - أن يرسل لهم رسولاً من غير جنس البشر، ولماذا أرسل لهم رسولاً من جنسهم البشري؟ وهنا يأتي الأمر من الله سبحانه:قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [الإسراء: 95]. وبهذا يبلغ الحق رسله ضرورة إبلاغ الناس أن الرسول لهم لا بد من أن يكون من جنس البشر لأن الملائكة لا يمشون مطمئنين في الأرض، ولو جاء الرسل من الملائكة لقال البشر: لن نستطيع اتباع ما جاء به الملائكة لأنهم لا يصلحون أسوة لنا لأنهم من جنس آخر غير جنس البشر، ثم إن الملائكة من خلق الغيب، فكيف يبعث الله للبشر هذا الغيب ليكون رسولاً؟ ولو حدث ذلك فلا بد أن يجعله الحق في صورة بشرية.

السابقالتالي
2