ثم لما ذكر سبحانه من أحوال الأمم الماضية الهالكة وقبح صنيعهم مع الله وتكذيبهم كتبه ورسله، سجل عليهم بأن ما لحقهم إنما هو من يسوء صنيعهم وشؤم نفوسهم، فقال: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ } من القرى الهالكة { مِّن نَّبِيٍّ } من الأنبياء { إِلاَّ أَخَذْنَا } أولاً { أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } إزالة لقساوتهم وتلييناً لقلوبهم { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } [الأعراف: 94] رجاء أن يتضرعوا إلينا ويتوجهوا نحونا.
{ ثُمَّ } بعدما ضيقنا عليهم كشفنا عنهم بأن { بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ } المضرة المؤلمة { ٱلْحَسَنَةَ } النافعة المسرة { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } إلى أن كثروا وتكاثروا عَداداً وعدُداً { وَّقَالُواْ } بعدما صاروا مترفهين في سعة ورخاء مكان شكر وإظهار المنة منَّا: { قَدْ مَسَّ } ولحق { آبَاءَنَا } كما لحقنا { ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } ومن عادة الزمان وديدنة الدهر تعاقب السراء بالضراء والجدب بالرخاء، ومتى ظهر منهم كفكران النعم وعدم الرجوع إلينا بالشكر { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } فجأة بلا سبق مقدمة وتقديم أمارة { وَهُمْ } حينئذ من غاية عمههم وسكرتهم { لاَ يَشْعُرُونَ } [الأعراف: 95] نزول العذاب والنكال.
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } الهالكة العاصية { ءَامَنُواْ } بالله وبأنبيائه المبعوثين إليهم { وَٱتَّقَواْ } عن محارم الله بمقتضى أوامره التي جاءت الأنبياء به { لَفَتَحْنَا } ووسعنا { عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ } نازلة { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَ } نابتة من { ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن } ومن خبث طينتهم ورداءة فطرتهم { كَذَّبُواْ } بالله وبأنبيائه وكتبه { فَأَخَذْنَٰهُمْ } بعدما أظهروا التكذيب والإنكار { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الأعراف: 96] بأيديهم لأنفسهم، وبالجملة: ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمونز
{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } من انتقامنا وبطشنا إياهم ولم يخافوا { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا } عذابنا وعقابنا { بَيَٰتاً } في أثناء الليل ويحيط بهم { وَهُمْ نَآئِمُونَ } [الأعراف: 97] في مضاجعهم.
{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } ولم يترقبوا { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } في كمال إضاءة اليوم { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأعراف: 98] بأمور دنياهم على مقتضى مخايلهم ومناهم.