الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

اللام جواب قسم محذوفٍ، أي: واللَّهِ، ليَبْلُونَّكُمْ، وقد تقدَّم أنه تَجِبُ اللامُ وإحدى النونَيْن في مثل هذا الجواب واللام في " لَيبْلونَّكُمْ " مفتوحة لالتقاء الساكنين. قوله تعالى: " بِشَيءٍ " متعلِّقٌ بـ " لَيَبلُونَّكُمْ " أي: لَيَخْتبرنَّكُمْ بشيءٍ؛ وقوله تعالى: " مِنَ الصَّيْدِ ": في محلِّ جرٍّ صفةً لـ " شَيْء " فيتعلَّقُ بمحذوف، و " مِن " الظاهرُ أنها تبعيضيةٌ؛ لأنه لم يُحَرِّم صيدَ الحلال، ولا صيدَ الحِلِّ، ولا صيد البْحرِ، وقيل: إنها لبيان الجِنْسِ، وقال مكيٌّ: " وقيل " مِنْ " لبيان الجنس، فلما قال " بِشَيء " لم يُعْلَمْ من أي جنْسٍ هو: فبيَّن، فقال: " مِنَ الصَّيْدِ "؛ كما تقولُ: لأعْطِيَنَّكَ شَيْئاً مِنَ الذَّهَب " ، وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء، ثم قال: " وقيل: إنَّها للتبعيض " ، وكونُها للبيان فيه نظرٌ؛ لأنَّ الصَّحيحَ أنها لا تكونُ للبيان، والقائلُ بأنها للبيان يُشْترطُ أنْ يكونَ المُبَيَّنُ بها معرَّفاً بألِ الجنسيَّة؛ كقوله:فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج: 30]، وبه قال ابن عطيَّة أيضاً، والزَّجَّاج هو الأصل في ذلك، فإنه قال: وهذا كما تقولُ: " لأمْتَحِنَنَّكَ بِشَيءٍ مِنَ الرِّزْقِ " ، وكما قال تعالى:فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج: 30].

والمرادُ بالصَّيْد: المَصِيدُ، لقوله تعالى: { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } والصَّيْدُ إذا كان بِمَعْنَى المصدرِ يكون حدثاً، وإنما يُوصفُ بِنَيْلِ الأيْدِي والرِّمَاحِ ما يكونُ عَيْناً.

قوله تعالى: " تَنَالُهُ " في محلِّ جر؛ لأنَّه صفةٌ ثانيةٌ لـ " شَيْء " ، وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً: إمَّا من الصَّيْد، وإمَّا من " شَيْء " ، وإن كان نكرة؛ لأنه قد وُصِفَ فتخصَّصَ، واستبعدَ أبو حيان جَعْلَه حالاً من الصَّيْد، ووجهُ الاستبعادِ: أنه ليس المقصودَ بالحديثِ عنه، وقرأ الجُمْهُور: " تَنَالُهُ " بالمنقوطةِ فوقُ؛ لتأنيثِ الجمع، وابنُ وثَّاب والنخعي بالمنقوطةِ من تحْتُ؛ لأنَّ تأنيثه غيرُ حقيقيٍّ.

فإن قيل: نزلتْ هذه الآيةُ عام " الحُدَيْبِيَةِ " ، وكانوا مُحْرِمِينَ ابتلاهُمُ اللَّه بالصَّيْد، وكانت الوُحُوش تَغْشَى رحالَهُم من كَثْرَتِها، فهمُّوا بأخْذِهَا، فنَزَلَتْ هذه الآيَةُ أي: لَيَخْتَبِرَنَّكُمْ.

وفائِدَةُ البَلْوَى: إظْهَارُ المُطِيعِ من العَاصِي، وإنَّما بَعَّضَ الصَّيْد؛ لأنه ابتلاهُم بِصَيْدِ البَرِّ خاصَّةً، وقيل: صَيْد الإحْرامِ دونَ صَيْدِ الإحلالِ.

وقوله تعالى: " تَنَالُهُ أيْدِيكُمْ " يعني: الفَرْخَ والبَيْضَ، وما لا يَقْدِرُ أن يضِرَّ من صِغَارِ الصَّيْدِ، و " رِمَاحُكُمْ " يعني: الكِبَار من الصَّيْدِ " لِيَعْلَمَ اللَّهُ " قاله الواحدي وغيره، وقال مُقَاتِل بن حيان: كانت الوُحُوشُ والطَّيْر تَغْشَاهُم في رِحَالِهِم، حتى يَقْدِرُون على أخْذِهَا بالأيدي، وصَيْدِهَا بالرِّمَاحِ.

وقال بعضهم: هذا غَيْر جَائزٍ؛ لأن الصَّيْد المُتوحِّش هو المُمْتَنِعُ دون ما لاَ يَمْتَنِع.

السابقالتالي
2