الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ قَالُوۤاْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } استفهام تقرير ولذلك أكد بإن واللام لأن التأكيد يقتضي التحقق المنافي للاستفهام الحقيقي، ولعلهم قالوه استغراباً وتعجباً، وقرأ ابن كثير وقتادة وابن محيصن { إنك } بغير همزة استفهام، قال في «البحر»: والظاهر أنها مرادة ويبعد حمله على الخبر المحض، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر أن اتحد القائلون وهو الظاهر، فإن قدر أن بعضاً استفهم وبعضاً أخبر ونسب كل إلى المجموع أمكن وهو مع ذلك بعيد، و أَنت في القراءتين مبتدأ و { يُوسُفَ } خبره والجملة في موضع الرفع خبر إن، ولا يجوز أن يكون أنت تأكيداً للضمير الذي هو اسم ـ إن ـ لحيلولة اللام، وقرأ أبـي { أئنك أو أنت يوسف } وخرج ذلك ابن جني في كتاب " المحتسب " على حذف خبر إن وقدره أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف، وكذا الزمخشري إلا أنه قدره أئنك يوسف أو أنت يوسف ثم قال: وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع فهو يكرر الاستيثاق، قال في «الكشف» وما قدره أولى لقلة الإضمار وقوة الدلالة على المحذوف وإن كان الأول أجري على قانون الاستفهام، ولعل الأنسب أن يقدر أئنك أنت أو أنت يوسف تجهيلاً لنفسه أن يكون مخاطبه يوسف أي أئنك المعروف عزيز مصر أو أنت يوسف، استبعدوا أن يكون العزيز يوسف أو يوسف عزيزاً، وفيه قلة الإضمار أيضاً مع تغاير المعطوف والمعطوف عليه وقوة الدلالة على المحذوف والجري على قانون الاستفهام مع زيادة الفائدة من إيهام البعد بين الحالتين.

فإن قيل: ذاك أوفق للمشهور لقوة الدلالة على أنه هو، يجاب بأنه يكفي في الدلالة على الأوجه كلها أن الاستفهام غير جار على الحقيقة، على أن عدم التنافي بين كونه مخاطبهم المعروف وكونه يوسف شديد الدلالة أيضاً مع زيادة إفادة ذكر موجب استبعادهم وهو كلام يلوح عليه مخايل التحقيق، واختلفوا في/ تعيين سبب معرفتهم إياه عليه السلام فقيل: عرفوه بروائه وشمائله وكان قد أدناهم إليه ولم يدنهم من قبل، وقيل: كان يكلمهم من وراء حجاب فلما أراد التعرف إليهم رفعه فعرفوه، وقيل: تبسم فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم وكان يضىء ما حواليه من نور تبسمه، وقيل: إنه عليه السلام رفع التاج عن رأسه فنظروا إلى علامة بقرنه كان ليعقوب وإسحاق. وسارة مثلها تشبه الشامة البيضاء فعرفوه بذلك، وينضم إلى كل ذلك علمهم أن ما خاطبهم به لا يصدر مثله إلا عن حنيف مسلم من سنخ إبراهيم لا عن بعض أعزاء مصر، وزعم بعضهم أنهم إنما قالوا ذلك على التوهم ولم يعرفوه حتى أخبر عن نفسه.

{ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ } والمعول عليه ما تقدم وهذا جواب عن مساءلتهم وزاد عليه قوله: { وَهَـٰذَا أَخِى } أي من أبوي مبالغة في تعريف نفسه، قال بعض المدققين: إنهم سألوه متعجبين عن كونه يوسف محققين لذلك مخيلين لشدة التعجب أنه ليس إياه فأجابهم بما يحقق ذلك مؤكداً، ولهذا لم يقل عليه السلام: بلى أو أنا هو فأعاد صريح الاسم { وَهَـٰذَا أَخِى } بمنزلة أنا يوسف لا شبهة فيه على أن فيه ما يبنيه عليه من قوله: { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } وجوز الطيبـي أن يكون ذلك جارياً على الأسلوب الحكيم كأنهم لما سألوه متعجبين أنت يوسف؟ أجاب لا تسألوا عن ذلك فإنه ظاهر ولكن اسألوا ما فعل الله تعالى بك من الامتنان والإعزاز وكذلك بأخي وليس من ذاك في شيء كما لا يخفى.

السابقالتالي
2 3