الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }

وحين ترى جملة فيها الفاء فاعلم أنها مسببة عن شيء قبلها، وإذا سمعت مثلاً قول الحق سبحانه وتعالى:ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [عبس: 21]. ومعنى ذلك أن القبر جاء بعد الموت، فإذا وجدت " الفاء " فاعرف أن ما قبلها سبب فيما بعدها، ويسمونها " فاء السببية ". فما الذي كان قبل هذه الآية لتترتب عليه السببية في قول الله سبحانه لسيدنا رسول الله: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ.. } [النساء: 84] نقول: ما دام الأمر جاء { فَقَاتِلْ.. } [النساء: 84]، فعلينا أن نبحث عن آيات القتال المتقدمة، ألم يقل قبل هذه الآية:فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 74]. والآية الثانية:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ.. } [النساء: 75]. إذن أمر القتال موجود من الله لمن؟ لرسول الله، والرسول يبلغ هذا الأمر للمؤمنين به، والرسول يسمعه من الله مرة واحدة لذلك فإنّه صلى الله عليه وسلم أول من يصدق أمر الله في قوله:فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [النساء: 74]. ثم ينقلها إلى المؤمنين، فمن آمن فهو مصدق لرسول الله في هذا الأمر. فالرسول هو أول منفعل بالقرآن فإذا قال الحق:فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا.. } [النساء: 74]. أو عندما يقول له الحق:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ.. } [النساء: 75]. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول منفعل بأوامر الله، فإذا جاءه الأمر فعليه أن يلزم نفسه أولاً به، وإن لم يستمع إليه أحد وإن لم يؤمن به أحد أو لم يتبعه أحد، وهذا دليل على أنه واثق من الذي قال له:وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 75] وما دام صلى الله عليه وسلم هو أول منفعل فعليه أولاً نفسه لأنه صلى الله عليه وسلم بإقباله على القتال وحده، إنما يدل مَن سمع القرآن على أن الرسول الذي نزل عليه هذا القرآن، أول مصدق، ومحمد لن يغش نفسه. فقبل أن يأمر المؤمنين أن يقاتلوا، يقاتل هو وحده. ولذلك نجد أن سيدنا أبا بكر الصديق - رضوان الله عليه - حينما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وحدثت الردة من بعض العرب، وأصرّ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقاتل المرتدين وقال: لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لجالدتهم عليه بالسيف. وحاول بعض الصحابة أن يثني أبا بكر الصديق عن عزمه فقال: والله لو عصت يميني أن تقاتلهم لقاتلتهم بشمالي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6