الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ } من الذنوب { تَوْبَةً نَّصُوحاً } أي بالغة في النصح فهو من أمثلة المبالغة كضروب، وصفت التوبة به على الإسناد المجازي وهو وصف التائبين، وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم فيأتوا بها على طريقها، ولعله ما تضمنه ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: " قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيعتذر إلى الله تعالى ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع " وروي تفسيرها بما ذكر عن عمر وابن مسعود وأبـي والحسن ومجاهد وغيرهم، وقيل: نصوحاً من نصاحة الثوب أي خياطته أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خَلَّك، وقيل: خالصته من قولهم: عسل ناصح إذا خلص من الشمع، وجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها، واستعمال الجد والعزيمة في العمل بمقتضياتها، وفي المراد بها أقوال كثيرة أوصلها بعضهم إلى نيف وعشرين قولاً: منها ما سمعت.

وقرأ زيد بن علي ـ توبا ـ بغير تاء، وقرأ الحسن. والأعرج. وعيسى. وأبو بكر عن عاصم. وخارجة عن نافع { نَّصُوحاً } بضم النون وهو مصدر نصح فإن النصح والنصوح كالشكر والشكور والكفر والكفور أي ذات نصح أو تنصح نصوحاً أو توبواً لنصح أنفسكم على أنه مفعول له.

هذا والكلام في التوبة كثير، وحيث كانت أهم الأوامر الإسلامية وأول المقامات الإيمانية ومبدأ طريق السالكين ومفتاح باب الواصلين، لا بأس في ذكر شيء مما يتعلق بها فنقول: هي لغة الرجوع، وشرعاً وصفاً لنا على ما قال السعد: الندم على المعصية لكونها معصية، لأن الندم عليها بإضرارها بالبدن أو إخلالها بالعرض أو المال مثلاً لا يكون توبة، وأما الندم لخوف النار أو للطمع في الجنة ففي كونه توبة تردد، ومبناه على أن ذلك هل يكون ندماً عليها لقبحها ولكونها معصية أم لا؟ وكذا الندم عليها لقبحها مع غرض آخر، والحق أن جهة القبح إن كانت بحيث لو انفردت لتحقق الندم فتوبة وإلا فلا كما إذا كان الغرض مجموع الأمرين لا كل واحد منهما، وكذا في التوبة عند مرض مخوف بناءاً على أن ذلك الندم هل يكون لقبح المعصية بل للخوف.

وظاهر الأخبار قبول التوبة ما لم تظهر علامات الموت ويتحقق أمره عادة، ومعنى الندم تحزن وتوجع على أن فعل وتمني كونه لم يفعل ولا بد من هذا للقطع بأن مجرد الترك - كالماجن إذا مل مجونه فاستروح إلى بعض المباحات - ليس بتوبة، ولقوله عليه الصلاة والسلام:

السابقالتالي
2 3 4 5 6