الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَٱلْخَيْلَ } هو كما قال غير واحد اسم جنس للفرس لا واحد له من لفظه كالإبل، وذكر الراغب أنه في الأصل يطلق على الأفراس والفرسان، وهو عطف علىٱلأَنْعَامَ } [النحل: 5] أي وخلق الخيل { وَٱلْبِغَالَ } جمع بغل معروف { وَٱلْحَمِيرَ } جمع حمار كذلك ويجمع في القلة على أحمرة وفي الكثرة على حمر وهو القياس، وقرأ ابن أبـي عبلة برفع { الخيل } وما عطف عليه { لِتَرْكَبُوهَا } تعليل لخلق المذكورات، والكلام في تعليل أفعال الله تعالى مبسوط في الكلام { وَزِينَةً } عطف على محل { لِتَرْكَبُوهَا } فهو مثله مفعول لأجله وتجريده عن اللام دونه لأن الزينة فعل الزاين وهو الخالق تعالى ففاعل الفعلين المعلل والمعلل به واحد بخلاف فاعل الركوب وفاعل المعلل به فشرط النصب الذي اشترطه من اشترطه موجود في المعطوف دون المعطوف عليه قاله غير واحد، وذكر بعض المدققين أن في عدم مجيئها على سنن واحد دلالة على أن المقصود الأصلي الأول فجيء بالحروف الموضوعة لذلك وسيق الخطاب وأعيد الضمير للثلاثة في { لِتَرْكَبُوهَا } وجيء بالثاني تتمياً ودلالة على أنه لما كان من مقاصدهم عد في معرض الامتنان وإلا فليس التزين بالعرض الزائل مما يقصده أهل الله تعالى وهم أهل الخطاب بالقصد الأول واعترض ما تقدم بأنه وإن ثبت اتحاد الفاعل لكن لم تتم به شروط صحة النصب لفقد شرط آخر منها وهو المقارنة في الوجود فإن الخلق متقدم على الزينة. وأجيب بأن ذلك على إرادة إرادة الزينة كما قيل في ضربت زيداً تأديباً إن التأديب بتأويل إرادته، وجوز أبو البقاء كون { زِينَةً } مصدراً لفعل محذوف أي ولتتزينوا بها زينة، وقال ابن عطية إنه مفعول به لفعل محذوف أي وجعلها زينة، وروي قتادة عن ابن عباس أنه قرأ { لتركبوها زينة } بغير واو، قال صاحب " اللوامح ": إن { زِينَةً } حينئذ نصب على الحال من الضمير فيخَلَقَهَا } [النحل: 5] أو من الضمير في { لتركبوها } ولم يعين الضمير وعينه ابن عطية فقال هو المنصوب، وقال غير واحد تجوز الحالية من كل من الضميرين أي لتركبوها متزينين أو متزينا بها، وقال الزمخشري بعد حكاية القراءة: أي خلقها زينة لتركبوها، ومراده على ما قيل إن الزينة إما ثاني مفعولي ـ خلق ـ على إجرائه مجرى جعل أو هو حال عن المفعولات الثلاثة على الجمع، وجوز كونه مفعولاً له { لِتَرْكَبُوهَا } وهو بمعنى التزين فلا يرد عليه اختلاف فاعل الفعلين؛ قيل: وأما لزوم تخصيص الركوب المطلوب بكونه لأجل الزينة وكون الحكمة في خلقها ذلك وكون ذلك هو المقصود الأصلي لنا فلا ضير فيه لأن التجمل بالملابس والمراكب لا مانع منه شرعاً وهو لا ينافي أن يكون لخقلها حكم أهم كالجهاد عليها وسفر الطاعات، وإنما خص لمناسبته لمقام الامتنان مع أن الزينة [الحقيقية] على ما قال الراغب ما لا يشين في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ما يزين في حالة دون أخرى فهو من وجه شين اهـ فتأمل ولا تغفل.

السابقالتالي
2 3