{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أعرض عن إنذارهم، وهو منسوخ بآية السيف عند عامة المفسرين، وهاهنا تم الكلام. قوله تعالى: { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ } منصوب بقوله: { يَخْرُجُونَ } المعنى: يخرجون من قبورهم في ذلك اليوم، أو بإضمار " اذكر " ، أي: اذكر يوم يدعو الداعي، وهو إسرافيل يوم ينفخ النفخة الثانية. وأبو عمرو وأبو جعفر والبزي ووَرْش وإسماعيل يثبتون الياء في " الداعي " في الوصل، زاد يعقوب إثباتها في الحالين، وحذفها الباقون في الحالين، اكتفاء بالكسرة عنها. { إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } وقرأ ابن كثير: " نكْر " بسكون الكاف. وقال أبو علي: ضم الكاف هو الأصل؛ لأن الكلمة على فُعُل؛ كرُسُل، نحو: عُنُق ورُسُل. ومن أسكن الكاف حذف الضمة استخفافاً، وهي في تقدير الثبات. والمعنى: يوم يدعو الداعي إلى أمر فظيع منكر لم يُر مثله. قرأ أهل العراق إلا عاصماً: " خاشِعاً " بالألف وكسر الشين وتخفيفها. وقرأ الباقون من العشرة: بغير ألف وفتح الشين وتشديدها. وخشوع أبصارهم كناية عن ذلّهم. والنصب على الحال، على معنى: يخرجون خشعاً. قال الزجاج: لك في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة: التوحيد، نحو: خاشعاً أبصارهم، [ولك] التوحيد والتأنيث لتأنيث الجماعة، نحو:{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } [القلم: 43]، ولك الجمع نحو: { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } ، تقول: مررت بشبان حَسَنٍ [أوجههم] وحِسَانٍ أوجههم، وحَسَنَةٍ أوجههم. قال الشاعر:
وَشَبَابٍ حَسَنٍ أوْجُهُهُمْ
منْ إيادِ بن نزار بن معد
وقال أبو علي: من قرأ " خاشعاً " فوجهه: أنه فعل متقدِّم، فكما أنه لم تلحقه علامة التأنيث لم يُجمع، وحَسُن أن لا يؤنث؛ لأن تأنيث فاعله ليس بحقيقي. ومن قرأ " خُشَّعاً " فقد أثبت ما يدل على الجمع، وهو على لفظ الإفراد، ودلَّ الجمع على ما يدلُّ عليه التأنيث الذي ثبت في نحو قوله تعالى:{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } [القلم: 43]، فلذلك ترجَّحَ قولهم: مررت برجلٍ حِسَانٍ قومُه، على قولهم: مررت [برجلٍ] حَسَنٍ قومه؛ لأن حِسَاناً [قد] حصل فيه ما يدل على الجمع، والجمع كالتأنيث في باب أنه يدل عليه. وقرأ ابن مسعود: " خاشعة ". قوله تعالى: { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } الجراد مَثَلٌ في الكثرة. والمعنى: يخرجون من قبورهم عند النفخة الثانية، كأنهم في كثرتهم واضطرابهم وتموجهم جراد مُنبثّ في كل مكان، ليست له جهة يقصدها. { مُّهْطِعِينَ } مذكور في إبراهيم، يريد: مسرعين، مادّي أعناقهم إلى صوت الداعي إسرافيل. { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ } لما لابسهم من أهوال القيامة وشدائدها { هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } صعب شديد. قال ابن عباس: عسر على الكافرين، سهل يسير على المؤمنين، كقوله:{ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } [المدثر: 9-10].