الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } فيه مسألتان: الأولى ـ: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أمر بالتوبة، وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان. وقد تقدّم بيانها والقول فيها في «النساء» وغيرها. { تَوْبَةً نَّصُوحاً } اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا فقيل: هي التي لا عَوْدة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضَّرع وروي عن عمر وابن مسعود وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. ورفعه مُعاذ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: النَّصُوح الصادقة الناصحة. وقيل الخالصة يقال: نصح أي أخلص له القول. وقال الحسن: النَّصُوح أن يُبْغِض الذنب الذي أحبّه ويستغفر منه إذا ذكره. وقيل: هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وَجَل منها. وقيل: هي التي لا يحتاج معها إلى توبة. وقال الكلبيّ: التوبة النصوح النّدم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود. وقال سعيد بن جُبير: هي التوبة المقبولة ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط: خوف ألا تقبل، ورجاء أن تقبل، وإدمان الطاعات. وقال سعيد بن المسيّب: توبة تنصحون بها أنفسكم. وقال القرظي: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العَوْد بالجنَان، ومهاجرة سيء الخِلان. وقال سفيان الثَّوْري: علامة التوبة بالنصوح أربعة: القِلّة والعِلة والذِّلّة والغُرْبة. وقال الفُضَيل ابن عياض: هو أن يكون الذنب بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه. ونحوه عن ابن السّماك: أن تَنصِب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعدّ لمنتظرك. وقال أبو بكر الوَرَّاق: هو أن تضيق عليك الأرض بما رحُبَت، وتضيق عليك نفسك كالثلاثة الذين خُلِّفوا. وقال أبو بكر الواسطي: هي توبة لا لفقد عِوض لأن من أذنب في الدنيا لرَفَاهِية نفسه ثم تاب طلباً لرفاهيتها في الآخرة فتوبته على حفظ نفسه لا لله. وقال أبو بكر الدَّقاق المصري: التوبة النصوح هي ردّ المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات. وقال رُوَيْم: هو أن تكون لله وجهاً بلا قَفَا، كما كنت له عند المعصية قَفاً بلا وجه. وقال ذو النُّون: علامة التوبة النصوح ثلاث: قِلّة الكلام، وقِلّة الطعام، وقِلّة المنام. وقال شقيق: هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندامة لينجوَ من آفاتها بالسلامة. وقال سَرِيّ السَّقَطِيّ: لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين لأن من صحب توبته أحبّ أن يكون الناس مثله. وقال الجُنَيْد: التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبداً لأن من صحّت توبته صار مُحباً لله، ومن أحبّ الله نَسِيَ ما دون الله.

السابقالتالي
2 3