الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }

قوله: { مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ }: " مَنْ " يجوز ان تكونَ شرطيةً، وهو الظاهر، وأن تكونَ موصولةً، ودخلت الفاءُ في الخبرِ لِما تَضَمَّنه الموصولُ مِنْ معنى الشرط. وقولُه: " فَلْيَمْدُدْ " فيه وجهان، أحدُهما: أنه طَلَبٌ على بابه، ومعناه الدُّعاءُ. والثاني: لفظُه لفظُ الأمرِ، ومعناه الخبر. قال الزمخشري: أي: مَدَّ له الرحمنُ، بمعنى أَمْعَلَه فأُخْرِجَ على لفظِ الأمرِ إيذاناً بوجوبِ ذلك. أو فَمُدَّ له في معنى الدعاء بأن يُمْهِلَه الله ويُنَفِّسَ في مدةِ حياتِه ".

قوله: " حتى إذا " في " حتى " هذه ما تقدَّمَ في نظائرِها مِنْ كونِها: حرفَ جرٍّ أو حرفَ ابتداءٍ، وإنما الشأنُ فيما هي غايةٌ له على كلا القولين. فقال الزمخشري: " وفي هذه الآيةِ وجهان: أن تكونَ موصولةً، بالآيةِ التي هي رابِعَتُها، والآيتان اعتراضٌ بينهما، أي: قالوا: أيُّ الفريقينِ خيرٌ مقاماً وأَحْسَنُ نَدِيَّاً، حتى إذا رَأَوْا ما يُوْعَدون، أي: لا يَبْرَحون يقولون هذا القولَ ويَتَوَلَّعُون [به] لا يَتَكَافَوْن عنه إلى أن يُشاهدون الموعودَ رأيَ العينِ " وذكر كلاماً حسناً.

ثم قال: " والثاني: أن تتصلَ بما يليها، والمعنى أنَّ الذينَ في الضلالةِ ممدودٌ لهم " وذكر كلاماً طويلاً. ثم قال: " إلى أَنْ يُعايِنوا نُصْرَةَ / اللهِ للمؤمنين، أو يشاهدوا السَّاعة ومُقَدِّماتها. فإنْ قلت: " حتى " هذه ما هي؟ قلت: هي التي تُحْكى بعدها الجملُ، ألا ترى الجملةَ الشرطيةَ واقعةً بعدها، وهي { إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ...فَسَيَعْلَمُونَ }.

قال الشيخ: - مُسْتبعداً للوجه الأول- " وهو في غاية البُعْدِ لطولِ الفَصْلِ بين قولِه: " قالوا أيُّ الفريقينِ " وبين الغايةِ، وفيه الفصلُ بجملتيْ اعتراَس ولا يُجيزه أبو علي ". وهذا الاستبعادُ قريبٌ. وقال أبو البقاء: " حتى " يُحْكَى ما بعدها ههنا، وليست متعلقةً بفعلٍ ".

قوله: { إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ } قد عَرَفْتَ [ما] في " إمَّا ": من كونِها حرفَ عطفٍ أولا، ولا خلاف أن أحدَ معانيها التفصيل كما في الآية الكريمة. و " العذابَ " و " الساعةَ " بدلانِ مِنْ قوله: { مَا يُوعَدُونَ } المنصوبةِ بـ " رَأَوْا " و " فَسَيَعْلمون " جوابُ الشرط.

و { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً } يجوز أَنْ تكونَ " مَنْ " موصولةً بمعنى الذي، وتكونَ مفعولاً لـ " يَعْلَمون ". ويجوزُ أَنْ تكونَ استفهاميةً في محلِّ رفعٍ بالابتداء، و " هو " مبتدأُ ثانٍ، و " شَرٌّ " خبرُه، والمبتدأُ والخبرُ خبرُ الأول. ويجوز أَنْ تكونَ الجملةُ مُعَلَّقةً لفعل الرؤيةِ فالجملةُ في محلِّ نصبٍ على التعليق.