الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ }

{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ } أي من بين أجزاء صلب كل رجل أي ظهره { وَٱلتَّرَائِبِ } أي ومن بين ترائب كل امرأة أي عظام صدرها جمع تريبة وفسرت أيضاً بموضع القلادة من الصدور وروي عن ابن عباس وهو لكل امرأة واحد إلا أنه يجمع كما في قول امرىء القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة   ترائبها مصقولة كالسجنجل
باعتبار ما حوله على ما في «البحر» وجاء في المفرد تريب كما في قول المثقب العبدي:
ومن ذهب يبين على تريب   كلون العاج ليس بذي غضون
وحمل الآية على ما ذكر مروي عن سفيان وقتادة إلا أنهما قالا أي يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة وظاهره كالآية أن أحد الطرفين للبينية الصلب والآخر الترائب وهو غير ما قلناه وعليه قيل هو كقولك يخرج من بين زيد وعمرو خير كثير على معنى أنهما سببان فيه. وقيل إن ذلك باعتبار أن الرجل والمرأة يصيران كالشيء الواحد فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل. ثم إن ما تقدم مبني إما على أن الترائب مخصوصة بالمرأة كما هو ظاهر كلام غير واحد وإما على حمل تعريفها على العهد.

وقال الحسن وروي عن قتادة أيضاً أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما ولم يفسر الترائب، فقيل عظام الصدر وقيل ما بين الثديين وقيل ما بين المنكبين والصدر وقيل التراقي وقيل أربع أضلاع من يمنة الصدر وأربع من يسرته وعن ابن جبير الأضلاع التي هي أسفل الصلب وحكى مكي عن ابن عباس أنها أطراف المرء رجلاه ويداه وعيناه والأشهر أنها عظام الصدر وموضع القلادة منه، وطعن في ذلك على ما قال الإمام بعض الملاحدة خذلهم الله تعالى بأن المني إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع وينفصل من جميع أجزاء البدن فيأخذ من كل عضو طبيعة وخاصية مستعداً لأن يتولد منه مثل تلك الأعضاء، وإن كان المراد أن معظم أجزاء المني تتولد في ذينك الموضعين فهو ضعيف لأن معظمه إنما يتولد في الدماغ ألا ترى أنه في صورته يشبه الدماغ والمكثر منه يظهر الضعف أولاً في دماغه وعينيه، وإن كان المراد أن مستقره هناك / فهو ضعيف أيضاً لأن مستقره عروق يلتف بعضها بالبعض عند البيضتين وتسمى أوعية المني، وإن كان المراد أن مخرجه هناك فهو أيضاً كذلك لأن الحس يدل على خلافه. وأجاب رحمه الله تعالى بأنه لا شك أن أعظم الأعضاء معونة في توليد المني الدماغ وخليفته النخاع في الصلب وشعب نازلة إلى مقدم البدن وهي التريبة فلذا خصا بالذكر، على أن كلامهم في أمر المني وتولده محض الوهم والظن الضعيف وكلام الله تعالى المجيد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو المقبول والمعول عليه اهـ.

السابقالتالي
2