قوله تعالى: { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } إلى قوله: { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ }. أي: قال الذين سمعوه [حين] قال: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } ، { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } أي: يذكرهم بسوء. وقيل: يذكرهم: يسبهم ويعيبهم. { يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } أي: يقال له يا إبراهيم. وقيل: التقدير: يقال له: هو إبراهيم، أو المعروف به إبراهيم: { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ }. أي: قال بعضهم لبعض: فجيئوا به على رؤوس الناس لعلهم يشهدون عليه أنه هو الذي فعل هذا. قال قتادة: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة. وقيل: معناه: لعلهم يعاينون العقوبة التي تختص به. ثم قال: { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ }. في الكلام حذف والتقدير: فأتوا به، فلما أتوا قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال لهم: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } إنه غضب من أن تعبد معه هذه الصغار، وهو أكبر منها فكسرها. وقيل: التقدير: بل فعله كبيرهم هذا، إن كانوا ينطقون فاسألوهم. أي: إن كانت الآلهة المكسرة تنطق، فإن كبيرهم هو الذي كسرهم غضباً أن تعبد معه وهو كبيرهم. وقد أتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في الله. قوله تعالى: بل فعله كبيرهم هذا. وقوله: " إني سقيم " وقوله في سارة: " إنها أختي " وهذا عند أهل العلم غير مكروه، لأنه يجوز أن يكون الله تعالى أذن له في ذلك كما أذن / ليوسف أن يقول مؤذنه لأخوته " إنكم لسارقون " ولم يكونوا سرقوا شيئاً. وقد خرجَّ العلماء لإبراهيم عليه السلام في هذه الأشياء الثلاثة وجوهاً تخرج إلى غير الكذب. فسارة أخته في الدين، وقوله: " إني سقيم " معناه: مغتم بضلالكم حتى أنا كالسقيم. وقيل معناه: إني سقيم عندكم. وقيل: يجوز أن يكون ناله من ذلك الوقت مرض. وقيل: معناه: إني سأسقم، لأن كل من كان مصيره إلى الموت، فلا بد من أن يسقم. وقيل: لا يكون الكاذب إلا الآثم، وما ليس فيه إثم، فليس بكذب. دل على ذلك قول الملكين{ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ } [ص: 22] ولم يكونا خصمين ولا كان بغي ولكن عرضا بذلك لداود للقصة التي جرت له في المرأة التي تزوجها. وقال المبرد: معناه إذا كنا خصمين فبغى أحدنا على صاحبه فما الحكم؟. ثم قال تعالى: { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ }. أي: ففكروا حين قال لهم إبراهيم، بل فعله كبيرهم هذا. ورجعوا إلى عقولهم ونظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنكم أيها القوم الظالمون هذا الرجل في مسألتكم إياه وقِيلكم له " من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم ".