الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }

{ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ لَعِبْرَةً } أي معبراً يعبر به من الجهل إلى العلم، وأصل معنى العبر والعبور التجاوز من محل إلى آخر، وقال الراغب: العبور مختص بتجاوز الماء بسباحة ونحوها، والمشهور عمومه فإطلاق العبرة على ما يعتبر به لما ذكر لكنه صار حقيقة في عرف اللغة والتنكير للتفخيم أي لعبرة عظيمة { نُّسْقِيكُمْ } استئناف بياني كأنه قيل كي العبرةُ فيها؟ فقيل: نسقيكم { ممّا في بُطُونِهِ } ومنهم من قدر هنا مبتدأ وهو هي نسقيكم ولا حاجة إليه، وضمير { بُطُونِهِ } للأنعام وهو اسم جمع واسم الجمع يجوز تذكيره وإفراده باعتبار لفظه وتأنيثه وجمعه باعتبار معناه، ولذا جاء بالوجهين في القرآن وكلام العرب كذا قيل.

ونقل عن سيبويه أنه عد الأنعام مفرداً وكلامه رحمه الله تعالى متناقض ظاهراً فإنه قال في باب ما كان على مثال مفاعل ومفاعيل ما نصه: ((وأما أجمال وفلوس فإنها تنصرف وما أشبهها لأنها ضارعت الواحد، ألا ترى أنك تقول: أقوال وأقاويل وأعراب وأعاريب وأيد وأَياد فهذه الأحرف تخرج إلى [مثال] مفاعل ومفاعيل [إذا كُسّر للجمع] كما يُخْرَج الواحد إليه إذا كُسّر للجمع، وأما مفاعل ومفاعيل فلا يكسّر فيُخرج الجمع إلى بناء غير هذا لأن هذا [البناء] هو الغاية فلما ضارعت الواحد صرفت، ثم قال: وكذلك الفعول لو كُسّرت مثل الفلوس فإنك تخرجه إلى فعائل كما تقول جَدود وجَدائد ورَكوب وركائب. ولو فعلت ذلك بمفاعل ومفاعيل لم يجاوز هذا البناء، ويقوي ذلك أن بعض العرب تقول: أُتي للواحد فيضمُ الألف، وأما أفعال فقد يقع للواحد ومن العرب من يقول هو الأنعام قال جل ثناؤه: { نُّسْقِيكُمْ مّمَّا فِى بُطُونِهِ } وقال أبو الخطاب. سمعت العرب تقول: هذا ثوب أكياس)) انتهى.

وقال رحمه الله تعالى في باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة وليس في الكلام أفعيل ولا أفعول ولا أفعال ولا أفعل ولا أفعال إلا أن تكسر عليه أسماء للجمع انتهى، وقد اضطرب الناس في التوفيق بين كلاميه فذهب أبو حيان إلى تأويل الأول وإبقاء الثاني على ظاهره من أن أفعالاً لا يكون من أبنيته المفرد فحمل قوله أولاً وأما أفعال فقد يقع للواحد الخ: على أن بعض العرب قد يستعمله فيه مجازاً كالأنعام بمعنى النعم كما قال الشاعر:
تركنا الخيل والنعم المفدى   وقلنا للنساء بها أقيمي
وليس مراده أنه مفرد صيغة ووضعاً بدليل ما صرح به في الموضع الآخر من أنه لا يكون إلا جمعاً. واعترض عليه بأن مقصود سيبويه بما ذكره أولاً الفرق بين صيغتي منتهى الجموع وأفعال وفعول حيث منع الصرف للأول دون الثاني بوجوه. منها أن الأولين لا يقعان على الواحد بخلاف الآخيرين كما أوضحه فلو لم يكن وقوع أفعال على الواحد بالوضع لم يحصل الفرق فلا يتم المقصود.

السابقالتالي
2 3 4 5