الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً }

{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ } بعد الملاقاة واتمام التّحيّة وما جرى بينهما من المخاطبات { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } مفعول تعلّمنى او حال من فاعل اتّبعك او مفعوله او كليهما او من فاعل تعلّمنى او مفعوله او كليهما او من مرفوع علّمت او تميز مبيّن لكلمة ما او مبيّن لنسبة اتّبع الى الكاف او مصدر لقوله اتّبعك بتقدير مضافٍ اى اتّباع رشد او مصدر لقوله تعلّمنى او علّمت بتقدير مضافٍ اى تعليم رشد او مصدر لفعلٍ محذوفٍ حالاً ممّا سبقه او منقطعاً عمّا قبله دعاء او تعليلاً او مفعول له حصولىّ او تحصيلىّ محتمل التّعليل لكلٍّ من الافعال الثلاثة، ويحتمل جريان بعض وجوه رشداً بالنّسبة الى قوله قال له على بُعدٍ. والمراد بالرّشد الاهتداء الى تنظيم المعاش وحسن المعاشرة مع النّاس بحيث يؤدّى الى حسن المعاد واستحقاق الاجر من الله ويعبّر عنه بسياسة المدن والاهتداء الى سياسة النّفس وكلّ من كان تحت اليد من القوى والجوارح والاهل والعيال وادخالهم تحت حدود الله ويعبّر عنه بتدبير المنزل والاهتداء الى اصلاح النّفس بتخليتها عن الرّذائل وتحليتها بالخصائل، ويعبّر عنه بتهذيب الاخلاق. وامّا العقائد الحقّة الثّابتة الجازمة فهى وان كانت اصل الرّشد وبدونها لا يحصل الرّشد لكن لا يطلق الرّشد عليها فى الغالب وهى كانت حاصلة لموسى (ع) ويعبّر عن الاوّلين بالسّنّة القائمة، وعن الثّالث بالفريضة العادلة، وعن الرّابع بالآية المحكمة، واليها اشير فى الحديث النّبوىّ حيث قال: انّما العلم ثلاثة آية محكمة، او فريضة عادلة، او سنّة قائمة. ولقد اجاد (ع) فى الطّلب حيث تنزّل عن مقامه العالى الى مقام الفقير المحتاج وابرز الطّلب والسّؤال بصورة الاستفهام لا الامر المشترك بين الامر والسّؤال، وفى حكايته تعليم للعباد وانّ من أراد العلم والارلادة كيف ينبغى ان يطلبوا العلم والارادة للعالم والشّيخ وتنبيه على انّ المرء وان كان ذا فضائل كثيرةٍ ومراتب عليّةٍ لا ينبغى ان يتأنّف عن التّعلّم بل ينبغى ان يطلب ما افتقده عمّن يعلم انّ المفقود عنده وان كان الّذى عنده المفقود ادون منه ولا ينظر الى دنوّ رتبته بل يرى نفسه من حيث جهله المفقود ادون منه ومحتاجة اليه فيتضرّع عنده ويتكدّى عليه.

بيان النّيابة للرّسالة والولاية

اعلم، انّ الانبياء (ع) لهم مقامات ثلاثة بحسب نسبتهم الى الخلق: الاوّل مقام البشريّة وبه يتعيّشون مثلهم ويأكلون ويشربون ويسعون فى حاجاتهم ويحتاجون فى المعايش الى معاونتهم وهذا الّذى سدّ طريق الخلق عن قبول نبوّتهم وطاعتهم من حيث انّهم يرونهم محتاجين فى المعايش ساعين فى تحصيلها ولا يرون منهم مقاماً آخر لاختفائه عن النّظر، ولم يشعروا ايضاً بطريق العلم والبرهان ولا بطريق الّذوق والوجدان انّ لهم وراء المرئىّ مقاماً لكون علومهم مقصورة على ما فى هذه الدّار كما قال تعالى؛

ذلك مبغلهم من العلم،

السابقالتالي
2 3