{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } بعد اجتماعكم وحشركم { أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 51] المصرون على التكذيب والإنكار. { لأَكِلُونَ } من شدة جوعكم في جهنم البعد والخذلان بعد خلودكم فيها { مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } [الواقعة: 52] أي: شجر مسمى بهذا الاسم، فيكون لفظة " من " الثانية للبيان، والأولى للابتداء. { فَمَالِئُونَ مِنْهَا } أي: من تلك الشجرة { ٱلْبُطُونَ } [الواقعة: 53] أي: بطونكم، مع أنه لا يدفع الجوع بل يزيده، وبعد أكلكم منها ملء بطونكم. { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } أي: على الزقوم { مِنَ ٱلْحَمِيمِ } [الواقعة: 54] لشدة الحرقة وغلبة العطش، وبالجملة: { فَشَارِبُونَ } من الحميم { شُرْبَ ٱلْهِيمِ } [الواقعة: 55] مثل شرب الإبل، الذي له داء الهيام، وهو مرض من الإبل شبيه باستسقاء الإنسان. { هَـٰذَا } الذي سمعت أيها الفطن المعتبر { نُزُلُهُمْ } المعدة لهم حين نزولهم في جهنم { يَوْمَ ٱلدِّينِ } [الواقعة: 56] والجزاء. وإذا كان نزلهم فيها هذا، فما ظنك بعذابهم فيها، وزجرهم بعد حساب أعمالهم. ثم خاطبهم سبحانه إظهاراً للاستيلاء التام والبسطة الغالبة الكاملة توبيخاً لهم وتقريعاً فقال: { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ } وأظهرناكم من كتم العدم بمقتضى حولنا وقوتنا { فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } [الواقعة: 57] بقدرتنا على الإعادة والبعث أيها الجاهلون المكابرون. { أَفَرَأَيْتُمْ } أخبروني أيها المنكرون للبعث والجزاء أن { مَّا تُمْنُونَ } [الواقعة: 58] وتصبون في الأرحام من النطف؟. { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } وتجعلونه بشراً سوياً صالحاً لأنواع العلوم والإدراكات الكلية والجزئية { أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } [الواقعة: 59] المقصورون على الخلق والتسوية؟! ومع شهود هذه المقدورات العجيبة البديعة، كيف تنكرون قدرتنا على البعث والحشر. مع أنا { نَحْنُ } بمقتضى علمنا وقدرتنا { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } والأجل بأن عينَّا لموت كل أحد منكم وقتاً معيناً، وأجلاً معهوداً، بحيث لا يسع لكم وقت حلوله لا التقديم منه، ولا التأخير { وَ } مع ذلك { مَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } [الواقعة: 60] مغلوبين من أحد منكم أصلاً، بأن يغلب علينا أحد بتقديم الأجل المعين المقدر من عندنا، أو تأخيره. وإذا قدرنا على تقدير الأجل للموت على الوجه المذكور قدرنا أيضاً { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ } ونحيى { أَمْثَـٰلَكُمْ } أي: أسلافكم الذين ماتوا وانقرضوا أحياء أمثالكم من العدم؛ يعني: كما قدرنا على إنشاءكم من العدم إنشاء إبداعياً قدرنا أيضاً على إحياء أسلافكم من القبور بعدما ماتوا على سبيل إعادة، بل إعادة أهون من الإبداع { وَ } بالجملة: قدرنا على أن { نُنشِئَكُمْ } بعد موتكم فِي { فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الواقعة: 61] أي: في نشأة وعالم، لا يحيطون به علماً ولا تفهمونه لخروجه عن طور عقولكم ومقتضاه. { وَ } كيف يتأتى لكم إنكار الإعادة مع أنكم { لَقَدْ عَلِمْتُمُ } جزمتم وأيقنتم { ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } أي: قدرنا على الخلق والإيجاد فيها { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62] منها قدرتنا على الإعادة في النشأة الأخرى، مع أن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة بالطريق الأولى.