الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله عز وجل: { وقالت اليهود يد الله مغلولة } نزلت هذه الآية في فنحاص اليهودي. قال ابن عباس: إن الله قد بسط على اليهود حتى كانوا أكثر الناس أموالاً وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله ومحمداً صلى الله عليه وسلم وكذبوا به كف عنهم ما بسط عليهم من السعة. فعند ذلك قال فنحاص: يد الله مغلولة يعني محبوسة مقبوضة عن الرزق والبذل والعطاء. فنسبوا الله تعالى إلى البخل والقبض تعالى الله عن قولهم علوَّاً كبيراً، ولما قال هذه المقالة الخبيثة فنحاص ولم ينهه بقية اليهود ورضوا بقوله، لا جرم لأن الله تعالى أشركهم معه في هذه المقالة فقال تعالى إخباراً عنهم: وقالت اليهود يد الله مغلولة. يعني نعمته مقبوضة عنا. وقيل: معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلا بقدر ما يبر به قسمه وذلك قدر ما عبد آباؤنا العجل. والقول الأول أصح، لقوله تعالى: ينفق كيف يشاء. واعلم أن غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود بدليل قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلمولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } [الإسراء: 29] والسبب أن اليد آلة لكل الأعمال لا سيما لدفع المال وإنفاقه وإمساكه فأطلقوا اسم السبب على المسبب وأسندوا الجود والبخل إلى اليد مجازاً فقيل للجواد الكريم فياض اليد ومبسوط اليد وقيل للبخيل مقبوض اليد. وقوله تعالى: { غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا } يعني: أمسكت أيديهم عن كل خير وطردوا عن رحمة الله. قال الزجاج: رد الله عليهم فقال: أنا الجواد الكريم وهم البخلاء وأيديهم هي المغلولة الممسوكة. وقيل: هذا دعاء على اليهود علمنا الله كيف ندعو عليهم؟ فقال: غلت أيديهم أي في نار جهنم. فعلى هذا هو من الغل حقيقة أي شدت أيديهم إلى أعناقهم وطرحوا في النار جزاء لهم على هذا القول ومعنى لعنوا بما قالوا عذبوا بسبب ما قالوا فمن لعنتهم أنهم مسخوا في الدنيا قردة وخنازير وضربت عليهم الذلة والمسكنة والجزية وفي الآخرة لهم عذاب النار. وقوله تعالى: { بل يداه مبسوطتان } يعني أنه تعالى جواد كريم ينفق كيف يشاء وهذا جواب لليهود ورد عليهم ما افتروه واختلقوه على الله تعالى عن قولهم علواً كبيراً وإنما أجيبوا بهذا الجواب على قدر كلامهم. وأما الكلام في اليد فقد اختلف العلماء في معناها على قولين: أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وعلماء أهل السنة وبعض المتكلمين أن يد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه فيجب علينا الإيمان بها والتسليم ونمرها كما جاءت في الكتاب والسنة بلا كيف ولا تشبيه ولا تعطيل قال الله تعالىلما خلقت بيدي } [ص: 75] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4