الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

قوله تعالى: { أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ }: العامَّةُ على أنَّ " الكذبَ " مفعولٌ به، و { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } بدلٌ منه بدلُ كلٍ مِنْ كل، أو على إسقاط الخافض، أي: بأنَّ لهم الحسنى.

وقرأ الحسن " أَلْسِنَتْهُمْ " بسكونِ التاءِ تخفيفاً، وهي تُشْبه تسكينَ لامِبَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [الزخرف: 80]، وهمزة " بارِئْكم " ونحوه.

والأَلْسِنَةُ جمع " لِسان " مراداً به التذكير فجُمِع كما يُجْمَعُ فِعال المذكر نحو: حِمار وأَحْمِرة، وإذا أُريد به التأنيثُ جُمِعَ جمعَ أفْعُل كذِراع وأَذْرُع.

وقرأ معاذ بن جبل " الكُذُبُ " بضمِّ الكاف والذال ورفعِ الباء، على أنه جَمْعُ كَذُوب كصَبُور وصُبُر، وهو مقيسٌ، وقيل: جمع كاذِب نحو: شارِف وشُرُف، كقولها:
3988- ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النَّواءِ   ………......................
لكنه غيرُ مقيسٍ، وهو حينئذٍ صفةٌ لـ " ألسنتهم " ، وحينئذٍ يكون { أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } مفعولاً به. وقد تقدَّم الكلامُ في " لا جَرَمَ " مستوفى في هود.

قوله: { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } قرأ نافع بكسرِ الراءِ اسمَ فاعلٍ مِنْ أَفْرَطَ إذا تجاوَزَ، فالمعنى: أنهم يتجاوزون الحَدَّ في معاصي الله تعالى. فأفْعَلَ هنا قاصرٌ. والباقون بفتحها اسمَ مفعولٍ مِنْ أَفْرَطْتُه، وفيه معنيان، أحدُهما: أنَّه مِنْ أَفْرطته خلفي، أي: تركتُه ونَسِيْتُه، حكى الفراء أنَّ العرب تقول: أَفْرِطْتُ منهم ناساً، أي: خَلَّفْتُهم، والمعنى: أنهم مَنْسِيًّون متروكون في النار. والثاني: أنه مِنْ أَفْرَطْتُه، أي: قَدَّمْتُه إلى كذا، وهو منقولٌ بالهمزة مِنْ فَرَط إلى كذا، أي: تقدَّم إليه، كذا قال الشيخ، وأنشد للقطامي:
2989- واسْتَعْجَلُونْا وكانوا مِنْ صحابَتِنا   كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
فَجَعَلَ " فَرَط " قاصراً و " أفرط " منقولاً. وقال الزمخشري: " بمعنى يتقدَّمون إلى النار، ويتعجَّلون إليها، مِنْ أَفْرَطْتُ فلاناً وفَرَطْتُه إذا قدَّمته إلى الماء " ، فجعل فَعَل وأفْعَل بمعنى، لا أن أَفْعل منقولٌ مِنْ فَعَل، والقولان محتملان، ومنه " الفَرَطُ " ، أي: المتقدم. قال عليه السلام: " أنا فَرَطُكم على الحوض " ، أي: سابِقُكم. ومنه " واجعله فَرَطاً وذُخْراً " ، أي: متقدِّماً بالشفاعةِ وتثقيلِ الموازين.

وقرأ أبو جعفر - في روايةٍ - " مُفَرِّطون " بتشديدِ الراءِ مكسورةً مِنْ فَرَّط في كذا: أي: قَصَّر، وفي روايةٍ، مفتوحةً، مِنْ فَرَّطته مُعَدَّى بالتضعيفِ مِنْ فَرَط بالتخفيف، أي: تَقَدَّم وسَبَقَ.

وقرأ عيسى بن عمر والحسن " لا جَرَمَ إنَّ لهم النارَ وإنهم " بكسرِ " إنَّ فيهما على أنَّها جوابُ قسمٍ أَغْنَتْ عنه " لا جَرَمَ ".