الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }

قوله تعالى: { وَيُرْسِلُ }: فيه خمسة أوجه، أحدها: أنه عطفٌ على اسم الفاعل الواقع صلة لأل، لأنه في معنى يفعل، والتقدير: وهو الذي يقهر عباده ويرسل، فعطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله، ومثلُه عند بعضهم:إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ } [الحديد: 18] قالوا: فأقرضوا عطف على " مصدقين " الواقعِ صلةً لأل، لأنه في معنى: إنَّ الذين صدَّقوا وأقرضوا، وهذا ليس بشيء، لأنه يلزم من ذلك الفصلُ بين أبعاض الصلة بأجنبيّ وذلك أن " وأقرضوا " من تمام صلة أل في " المصِّدِّقين " وقد عطف على الموصول قوله " المصدقات " وهو أجنبي، وقد تقرر غيرَ مرة أنه لا يُتْبَعُ الموصول إلا بعد تمام صلته. وأمَّا قوله تعالى:فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [الملك: 19] فيقبضن في تأويل اسم أي: وقابضات. ومن عطف الاسم على الفعل لكونه في تأويل الاسم قولُه تعالى:يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ } [الأنعام: 95] وقوله:
1940- فأَلْفَيْتُه يوماً يُبيرُ عدوَّهُ   ومُجْرٍ عطاءً يستخفُّ المعابرا
والثاني: أنها جملة فعلية عُطِفَتْ على جملة اسمية وهي قوله: { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ } والثالث: أنها معطوفة على الصلة وما عُطِف عليها وهو قوله: يتوفَّاكم ويعلم، وما بعده، أي: وهو الذي يتوفَّاكم ويرسل. الرابع: أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة في محل نصب على الحال. وفي صاحبها وجهان، أظهرهما: أنه الضميرُ المستكنُّ في " القاهر " والثاني: أنها حال من الضمير المستكنِّ في الظرف، كذا قال أبو البقاء، ونقله عن الشيخ وقال: " وهذا الوجهُ أضعفُ الأعاريب " وقولهما " الضمير الذي في الظرف " ليس هنا ظرفٌ يُتَوهَّم كونُ هذه الحالِ من ضميرٍ فيه إلا قولَه " فوق عباده " ولكن بأي طريق يَتَحَمَّل هذا الظرفُ ضميراً؟

والجواب أنه قد تقدم في الاية المشبهة لهذه أن " فوق عباده " فيه خمسة أوجه، ثلاثة منها تَتَحَمَّلُ فيها ضميراً وهي: كونه خبراً ثانياً أو بدلاً من الخبر أو حالاً، وإنما اضطررنا إلى تقدير مبتدأ قبل " يُرْسِلُ " لأن المضارعَ المثبتَ إذا وقع حالاً لم يقترنْ بالواو، وقد تقدَّم إيضاحُ هذا غيرَ مرة. والخامس: أنها مستأنفةٌ سِيقت للإِخبار بذلك، وهذا الوجهُ هو في المعنى كالثاني.

وقوله: { عَلَيْكُم } يحتمل ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه متعلق بيرسل، ومنه:يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا } [الرحمن: 35]فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } [الأعراف: 133]وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً } [الفيل: 3] إلى غير ذلك. والثاني: أنه متعلق بـ " حَفَظَة ". يقال: حَفِظْتُ عليه عمله، فالتقدير: ويُرْسل حَفَظَة عليكم. قال الشيخ: " أي يحفظون عليكم أعمالهم كما قال:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [الانفطار: 10] كما تقول: حَفِظْتُ عليك ما تعمل " فقوله: " كما قال: إن عليكم لحافظين " تشبيه من حيث المعنى لا أن " عليكم " تعلق بحافظين؛ لأن " عليكم " هو الخبر لـ " إن " فيتعلق بمحذوف.

السابقالتالي
2