قوله تعالى: { هَـٰذَا } قال الزجاج: المعنى: الأمر هذا، فـ " هذا " رفع بخبر الابتداء المحذوف، وإن شئت كان " هذا " رفعاً بالابتداء، والخبر محذوفاً. وقال غيره: يجوز أن يكون التقدير: إن هذا لرزقنا هذا، فيكون توكيداً لما قبله. ثم ذكر ما للكفار فقال تعالى: { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ }. { جَهَنَّمَ } بدل من " شر مآب " ، أو عطف بيان. { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ } فيه تقديم وتأخير، تقديره: هذا حميم فليذوقوه، أو العذاب هذا فليذوقوه. ثم ابتدأ فقال: { [هذا] } أي: هو { حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ }. قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر: " وغسَّاق " بالتشديد، هاهنا وفي عم يتساءلون، والباقون بالتخفيف. قال أبو علي: من قرأ بالتخفيف؛ فلأنه اسم مثل: عذاب ونكال وشراب وهو بارد ضد الحميم يحرق كما يحرق الحميم. فأما من قرأ " وغسّاق " بالتشديد فلا يخلو من أن [يكون] اسماً أو صفة، فيبعد أن يكون اسماً، [لأن] الأسماء لم تجئ على هذا الوزن إلا قليلاً، وذلك الكَلاَّء [والقَذَّاف] والجَبَّان، وإن كان صفة من غَسَقَ يغسِقُ: إذا سأل، مثل: ضَرَّاب من ضرب يَضْرِبُ، فقد أقيم مقام الموصوف، وأن لا تُقام الصفة مقام الموصوف أحسن، إلا [أن] يكون صفة قد غلبت وأجري مجرى الأسماء، نحو: العبد، والأبطح. والقراءة بالتخفيف أحسن؛ لسلامته من الأمرين اللذين وصفناهما في المشدد، وهما قلة البناء، وإقامة الصفة مقام الموصوف. واختلف المفسرون في الغَسَّاق؛ فقال ابن عباس: هو الزمهرير. وقال أبو سعيد الخدري: المُنْتِن. وقال عطية: القيح الذي يسيل من جلود أهل النار. وقال السدي: دموعهم التي تسيل من أعينهم. وقال كعب الأحبار: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذي حمة. وأخبرنا أبو المجد القزويني قال: أخبرنا أبو منصور الطوسي قال: سمعت الحسين بن مسعود البغوي يقول: الغَسَّاق: ما يسيل من أعينهم من دموعهم يسقونه مع الحميم. قوله تعالى: { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ } أي: من شكل هذا المذوق في الفظاعة والكراهة { أَزْوَاجٌ } أجناس وأصناف. وقرئ: " مِنْ شِكْلِهِ " بكسر الشين، وهي لغة في معنى المثل، وأما الغَنِج فبالكسر لا غير. قرأ أبو عمرو: " وأُخَرُ " بضم الهمزة من غير مد، وقرأ الباقون بفتح الهمزة ومَدِّها، على معنى: وعذاب آخر. وقوله تعالى: { مِن شَكْلِهِ } يؤيد هذه القراءة. ويجوز أن يجمع الخبر الذي هو " أزواج " وإن كان المبتدأ واحداً؛ لأن " آخر " يراد به العذاب، والعذاب يشتمل على ضروب، كما تقول: عذاب فلان ضُروب شتى. ومن قرأ " وأُخَر " على الجمع فمعناه: وضُروب أُخَر وأنواع أُخَر؛ لأن العذاب ذو ضروب وأنواع، " وأُخَر " أيضاً مرفوع بالابتداء، و«أزواج» الخبر.