الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر. ومعناه في اللغة طلب السقيا. وفي الشرع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته من الصلاة والدعاء. والحجر يحتمل أن يكون حجراً معيناً، فتكون اللام للعهد، ويحتمل أن لا يكون معيناً، فتكون للجنس، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة. وقوله { فَٱنفَجَرَتْ } الفاء مترتبة على محذوف، تقديره فضرب، فانفجرت، والانفجار الانشقاق وانفجر الماء انفجاراً تفتح، والفجرة موضع تفتح الماء. قال ابن عطية ولا خلاف أنه كان حجراً مربعاً يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون، وإذا استغنوا عن الماء جفت. والمشرب موضع الشرب، وقيل هو المشروب نفسه، وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم. قيل كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها، والأسباط ذرية الاثني عشر من أولاد يعقوب. وقوله { كُلُواْ } أي قلنا لهم كلوا المنّ والسلوى، واشربوا الماء المتفجر من الحجر، وعثا يعثي عثيا، وعثا يعثو عثواً، وعاث يعيث عيثاً، لغات بمعنى أفسد. وقوله { مُفْسِدِينَ } حال مؤكدة. قال في القاموس عثي كرمي، وسعى ورضي، عيْثا، وعُيُوثاً، وعَيثاناً، وعثَا يَعْثُو عُثُواً أفسد وقال في الكشاف " العثي أشدّ الفساد. فقيل لهم لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه ". انتهى. قوله { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } تضجُّر منهم بما صاروا فيه من النعمة، والرزق الطيب، والعيش المستلذ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش
إنَّ الشَقيَّ بالشَقَاءِ مُولعٌ لا يَمْلِكُ الردَّ لَهُ إذا أتى   
ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقاً إلى ما كانوا فيه، ونظراً لما صاروا إليه من العيشة الرافهة، بل هو باب من تعنتهم، وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم، وهِجّيِراهم في غالب ما قصّ علينا من أخبارهم. وقال الحسن البصري إنهم كانوا أهل كراث، وأبصال، وأعداس، فنزعوا إلى عكرهم، أي أصلهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم، فقالوا { لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } والمراد بالطعام الواحد هو المنّ والسلوى، وهما، وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاماً واحد. وقيل لتكررهما في كل يوم، وعدم وجود غيرهما معهما، ولا تبدلة بهما. و " من " في قوله { مِمَّا تُنبِتُ } تخرج. قال الأخفش زائدة، وخالفه سيبويه، لكونها لا تزاد في الكلام الموجب. قال النحاس وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولاً ليخرج فأراد أن يجعل " ما " مفعولاً. والأولى أن يكون المفعول محذوفاً دل عليه سياق الكلام، أي تخرج لنا مأكولاً.

السابقالتالي
2 3 4