الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } أي قرى عاد وثمود وقوم لوط وأشباههم. والكلام على تقدير مضاف أي أهل القرى لقوله تعالى: { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } والإشارة لتنزيلهم لعلمهم بهم منزلة المحسوس، وقدر المضاف في «البحر» قبل { تِلْكَ } وكلا الأمرين جائز. وتلك يشار بها للمؤنث من العقلاء وغيرهم، وجوز أن تكون القرى عبارة عن أهلها مجازاً، وأياً ما كان فاسم الإشارة مبتدأ و { ٱلْقُرَىٰ } صفته والوصف بالجامد في باب الإشارة مشهور والخبر جملة { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } واختار أبو حيان كون { ٱلْقُرَىٰ } هو الخبر والجملة حالية كقوله تعالى:فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } [النمل: 52] وجوز أن تكون { تِلْكَ } منصوباً بإضمار فعل يفسره ما بعده أي وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم { لَمَّا ظَلَمُواْ } أي حين ظلمهم كما فعل مشركو مكة ما حكي عنهم من القبائح. وترك المفعول إما لتعميم الظلم أو لتنزيله منزلة اللازم أي لما فعلوا الظلم. و { لَّمّا } عند الجمهور ظرف كما أشير إليه وليس المراد به الحين المعين الذي عملوا فيه الظلم بل زمان ممتد من ابتداء الظلم إلى آخره. وقال أبو الحسن بن عصفور: هي حرف، ومما استدل به على حرفيتها هذه الآية حيث قال: إنها تدل على أن علة الإهلاك الظلم والظرف لا دلالة له على العلية، واعترض بأن قولك أهلكته وقت الظلم يشعر بعلية الظلم وإن لم يدل الظرف نفسه على العلية، وقيل لا مانع من أن يكون ظرفاً استعمل للتعليل.

{ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم } لهلاكهم { مَّوْعِدًا } وقتاً معيناً لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فمفعل الأول مصدر والثاني اسم زمان، والتعيين من جهة أن الموعد لا يكون إلا معيناً وإلا فاسم الزمان مبهم والعكس ركيك. وزعم بعضهم أن المهلك على هذه القراءة وهي قراءة حفص في الرواية المشهورة عنه ـ أعني القراءة بفتح الميم وكسر اللام ـ من المصادر الشاذة كالمرجع والمحيض وعلل ذلك بأن المضارع يهلك بكسر اللام وقد صرحوا بأن مجيء المصدر الميمي مكسوراً فيما عين مضارعه مكسورة شاذ. وتعقب بأنه قد صرح في «القاموس» بأن هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم فكيف يتحقق الشذوذ فالحق أنه مصدر غير شاذ وهو مضاف للفاعل ولذا فسر بما سمعت، وقيل: إن هلك يكون لازماً ومتعدياً فعن تميم هلكني فلان فعلى تعديته يكون / مضافاً للمفعول، وأنشد أبو علي في ذلك:
ومهمـه هـالك من تعـرجـا   
أي مهلكه، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يتعين ذلك في البيت بل قد ذهب بعض النحويين إلى أن هالكاً فيه لازم وأنه من باب الصفة المشبهة والأصل هالك من تعرجا بجعل من فاعلاً لهالك ثم أضمر في هالك ضمير مهمه وانتصب من على التشبيه بالمفعول ثم أضيف من نصب، والصحيح جواز استعمال الموصول في باب الصفة المشبهة، وقد ثبت في أشعار العرب قال عمر بن أبـي ربيعة:

السابقالتالي
2 3 4 5