وقوله تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ... } الآية؛ الذينَ وصَّلَ لَهُمُ القَوْلَ: همْ قريشٌ؛ قاله مجاهد وغيره، قال الجمهورُ: والمعنى: وَاصَلْنَا لهم في القرآن، وتابعناه موصولاً بعضُه ببعضٍ في المواعظ والزواجر، والدعاء، إلى الإسلام. وذهبت فرقةٌ إلى: أنَّ الإشارة بتوصيلِ القولِ إنما هي إلى الألفاظ، فالمعنى: ولقد وصَّلنا لهم قَوْلاً مُعْجِزاً دالاًّ على نُبُوءَتِكَ. قال * ع *: والمعنى الأولُ تقديره: ولقد وصلنا لهم قولاً يَتَضَمَّنُ معان؛ مَنْ تَدَبَّرَهَا اهْتَدَى. ثم ذكر ـــ تعالى ـــ القومَ الذينَ آمنوا بمحمدٍ مِنْ أهلِ الكتاب مُبَاهِياً بهم قريشاً. واختُلِفَ في تَعيينهم فقال الزهري: الإشَارَةُ: إلى النَّجَاشِيِّ. وقيل: إلى سلمان، وابن سلام، وأسند الطبريُّ إلى رفاعة القرظي، قال: نزلت هذه الآيةُ في اليهود في عَشْرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ، أَسْلَمْنَا فَأُوذِينَا؛ فنزلت فينا هذه الآية. والضَّمِيرُ فِي { قبله } يعودُ على القرآن. و { أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } معناه: على مِلَّتَيْنِ؛ وهذا المعنى هو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم " ثَلاَثَةٌ يُؤْتُونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ؛ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمن بِنَبِيِّهِ وآمن بِيَّ... " الحديث. و { يَدْرَءُونَ } معناه: يَدْفَعُونَ؛ وهذا وصفٌ لمكَارِمِ الأخلاقَ، أي: يتغابون ومن قال لهم سوءًا لاَ يَنُوهُ وقَابَلُوهُ من القول الحسِن بما يَدْفَعُه، واللغْوُ سَقَطُ القولِ، والقولُ يَسْقُط لوجوهٍ يَعِزُّ حَصْرُها، والمرادُ منه في الآيةِ: ما كان سبّاً وأذًى ونحوَه؛ فأدبُ الإسلام الإعراضُ عنه. و { سَلاَمٌ } في هذا الموضِع قُصِدَ به المَتَارَكةُ لا التَّحِيَّةُ. قال الزَّجاج: وهذا قبلَ الأمر بالقِتَال، و { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَـٰهِلِينَ } معناه: لا نَطْلُبُهُمْ للجِدَالِ والمراجعة والمشاتمة. * ت *: قال ابن المباركِ في «رقائقه»: أخبرنا حبيبُ بنُ حجر القيسي، قال: كان يقال: ما أحْسَنَ الإِيمَانَ يَزِينُه العلمُ، وما أحْسَنَ العِلمَ يَزِينُه العَمَلُ، وما أَحْسَنَ العَمَلَ يَزِينُه الرِّفْقُ، وَما أضفت إلى شَيء، مِثْلَ حِلْمٍ إلى عِلْمٍ، انتهى. وأجْمَعَ جُلُّ المفسرينَ على أنَّ قولَه تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } إنما نَزَلَتْ في شَأْنِ أَبي طالب، فَرَوى أبو هريرةَ وغيرُه " أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَمٍّ، قُلْ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللّهِ... " الحديثُ قد ذَكَرناه في سورة: «براءَة»، فَماتَ أبو طالبٍ على كُفْرِه، فَنَزَلَتْ هذه الآيةُ فيه. قالَ أبو روق: قوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } إشارة إلى العباسِ، والضميرُ في قوله { وَقَالوا } لقريش. قال ابن عباس: والمُتَكَلِّمُ بذلك فيهم الحارثُ بن نوفَلِ، وحكى الثعلبيُّ أنه قالَ له: إنا لنعلم أن الذي تقولُ حَقٌّ وَلَكِنْ إن اتبَعْنَاكَ تَخَطَّفَتْنَا العربُ. و { تُجْبى }: معناه: تُجْمَعُ وتُجْلَبُ. وقوله: { كُلِّ شَيْءٍ } يريد مما به صلاحُ حالهِم، ثم توعَّدَ قريشاً بقوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } و { بَطِرَتْ } معناه: سَفِهَت وأشِرَتْ وطَغَتْ؛ قاله ابن زيد وغيره.