الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }: هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر " حَمَلوا " مخففاً مبنياً للفاعل.

قوله { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ } هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ عبدُ الله " حِمارٍ " منكَّراً. وهو في قوة قراءةِ الباقين؛ لأنَّ المراد بالحمارِ الجنسُ. ولهذا وُصِفَ بالجملةِ بعده كما سيأتي. وقرأ المأمون ابن هارون الرشيد " يُحَمَّلُ " مشدَّداً مبنياً للمفعول. والجملة مِنْ " يَحْمِلُ " أو " يُحْمَّلُ " فيها وجهان، أحدُهما: ـ وهو المشهورُ ـ أنَّها في موضع الحال من " الحمار " والثاني: أنَّها في موضع الصفةِ للحمار لجريانِه مَجْرى النكرة؛ إذ المُرادِ به الجنسُ. قال الزمخشري: " أو الجرِّ على الوصفِ؛ لأنَّ الحمارَ كاللئيمِ في قوله:
4261ـ ولَقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني   ......................
وقد تقدَّم تحريرُ هذا، وأنَّ منه عند بعضِهموَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ } [يس: 37] وأنَّ " نَسْلَخُ " نعتٌ لـ الليل. والجمهورُ يَجْعَلونه حالاً للتعريف اللفظي. وأمَّا على قراءةِ عبد الله فالجملةُ وصفٌ فقط، ولا يمتنعُ أَنْ تكونَ حالاً عند سيبويه.

والأَسْفار: جمعُ سِفْرٍ، وهو الكتابُ المجتمعُ الأوراقِ.

قوله { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } فيه أوجهٌ، أحدها: ـ وهو الظاهرُ المشهور ـ أنَّ " مَثَلُ القوم " فاعلُ " بِئْس ". والمخصوصُ بالذَّمِّ الموصولُ بعده فَيُشْكِلُ؛ لأنه/ لا بُدَّ مِنْ تصادُقِ فاعلِ نِعْم وبِئْسَ والمخصوصِ، وهنا المَثَلُ ليس القومَ المكذِّبين. والجواب: أنَّه على حَذْفِ مضافٍ، أي: بِئْسَ مَثَلُ القومِ مَثَلُ الذين كَذَّبوا. الثاني: أنَّ " الذين " صفةٌ للقوم فيكونُ مجرورَ المحلِّ، والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ لِفَهْمِ المعنى تقديره: بِئْس مَثَلُ القومِ المكذِّبين مَثَلُ هؤلاء، وهو قريبٌ من الأولِ. الثالث: أنَّ الفاعلَ محذوفٌ، وأنَّ مَثَلَ القومِ هو المخصوصُ بالذِّم، تقديرُه: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القوم، ويكونُ الموصولُ نعتاً للقوم أيضاً، وإليه يَنْحو كلامُ ابنِ عطيةً، فإنه قال: " والتقديرُ: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القومِ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه لا يُحْذَفُ الفاعلُ عند البَصْريين، إلاَّ في مواضعَ ثلاثةٍ، ليس هذا منها، اللهم إلاَّ أَنْ يقولَ بقولِ الكوفيين. الرابع: أَنْ يكونَ التمييزُ محذوفاً، والفاعل المُفَسَّرُ به مستترٌ تقديرُه: بئس مَثَلاً مَثَلُ القوم، وإليه يَنْحو كلامُ الزمخشريِّ فإنه قال: " بئْسَ مَثَلاً مَثَلُ القوم " فيكونُ الفاعلُ مستتراً، مُفَسَّرٌ بـ " مَثَلاً " ، و " مَثَلُ القومِ " هو المخصوصُ بالذمِّ والموصولُ صفةٌ له، وحُذِفَ التمييزُ، وهذا لا يُجيزه سيبويهِ وأصحابُه البتةَ، نَصُّوا على امتناعِ حَذْفِ التمييزِ، وكيف يُحْذَفُ وهو مُبَيِّنٌ؟