الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }.

هذه قراءة العامَّة.

وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر: " حَمَلُوا " مخففاً مبنياً للفاعل.

قوله: { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ }.

هذه قراءة العامة.

وقرأ عبد الله: " حِمَارٍ " منكراً، وهو في قوة قراءة الباقين، لأن المراد بالحمار: الجِنْس ولهذا وصف بالجملة بعده، كما سيأتي.

وقرأ المأمون بن هارون الرشيد: " يُحَمَّل " مشدداً مبنيًّا للمفعول.

والجملة من " يَحْمِلُ أو يُحَمَّلُ " فيها وجهان:

أشهرهما: أنه في موضع الحال من " الحمار ".

والثاني: أنها في موضع الصفة للحمار، لجريانه مجرى النكرة، إذ المراد به الجنس.

قال الزمخشري: أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم، في قوله: [الكامل]
4767 - وَلقَدْ أمُرُّ على اللَّئيمِ يسُبُّنِي   ...........................
وتقدم تحرير ذلك وأن منه عند بعضهم:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ } [يس: 37]، وأن " نسلخ " نعت لليل، والجمهور يجعلونه حالاً للتعريف اللفظي.

وأما على قراءة عبد الله: فالجملة وصف فقط، ولا يمتنع أن تكون حالاً عند سيبويه. والأسفار: جمع سفر، وهو الكتاب المجتمع الأوراق.

فصل في تفسير هذا المثل

هذا مثل ضرب لليهود لما تركوا العمل بالتوراة، ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم " حُمِّلُوا التَّوراةَ " أي: كلفوا العمل بها. قاله ابن عباس.

وقال الجرجاني: هو من الحمالة بمعنى الكفالة، أي: ضمنوا أحكام التوراة.

وقوله: { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا }.

لم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقها { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } أي: كتباً من العلم، واحدها سفر.

قال الفرَّاء: هي الكتب العظام، لأنها تسفر عما فيها من المعاني إذا قرئت، ونظيره: شبر وأشبار.

يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرأون التوراة ولا ينتفعون بها، لأنهم خالفوا ما فيها.

قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل، كذلك اليهود، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء.

قال الشاعر: [الطويل]
4768 - لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي البَعِيرُ إذَا غَدَا   بأوسَاقِهِ أوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ
قوله: { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } فيه أوجه:

أحدها: وهو المشهُور أن " مثَلُ القَوْمِ " فاعل " بِئْسَ " والمخصوص [بالذم الموصول بعده، وهذا مشكل؛ لأنه لا بد من تصادق فاعل " نعم وبئس " والمخصوص هنا: " المثل " ليس بالقوم المكذبين]

والجواب: أنه على حذف مضاف، أي: بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا.

الثاني: أن " الَّذينَ " صفة للقوم فيكون مجرور المحلّ، والمخصوص بالذَّم محذوف لفهم المعنى، تقديره: بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء، وهو قريب من الأول.

السابقالتالي
2