قوله - عز وجل -: { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } قد عرفت العرب وعلمت أن " الرحمن " على ميزان " فعلان " ، مشتق من الرحمة، لكن أحدا من الخلائق لا يبلغ في الرحمة مبلغا يستحق تسميته به: رحمانا؛ لذلك خص الله تعالى نفسه بتسميته: الرحمن، وإن كان مشتقّاً من الرحمة؛ كالرحيم، وجاز تسمية غيره: رحيما، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } ، ذكر أن الرحمن علم القرآن، ولم يذكر لمن علمه؛ فجاز أن يكون المراد منه: أنه - تبارك وتعالى - علم القرآن رسولنا صلى الله عليه وسلم. ثم يخرج ذلك على وجوه: أحدها: أنه جبريل - عليه السلام - حيث قال:{ عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ } [النجم: 5-6] لكن خرجت الإضافة إلى الله تعالى؛ لما أنه علمه بأمره. والثاني: أضاف التعليم إلى نفسه؛ لما أنه هو الذي أثبته في قلبه حتى لا ينساه؛ كقوله - عز وجل -:{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6]، وقوله - عز وجل -:{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [القيامة: 16-17]، وقوله:{ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان: 32]. والثالث: أضاف إلى نفسه، وإن علمه جبريل - عليه السلام - لأنه هو الخالق لفعل التعليم من جبريل، عليه السلام. وقوله - عز وجل -: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ }. قال بعضهم: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } أي: آدم عليه السلام، و { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } أي: الأسماء التي ذكر في آية أخرى:{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة: 31]؛ إذ لا سبيل إلى معرفة الأسماء إلا بالتلقين، ليس كالأشياء التي تعرف وتدرك بالاستدلال. ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } أي: خلق كل إنسان وعلمه البيان: أي: علمه بيان ما يمتحنهم به من الأمر والنهي؛ ليعلم أنه لم يخلق الإنسان ليتركه سدى. ويحتمل: علم كل إنسان ما غاب عنهم حتى عرفوا بما شاهدوا - باللون والطعم واللذة - طعم ما غاب عنهم من جنسه ولونه ولذته؛ استدلالا بما شاهدوا. ويحتمل: الاستدلال بالشاهد على معرفة الله تعالى، وهو أنهم لما شاهدوا الإنسان محتاجا، عاجزا، محاطا بالحوائج والحوادث عرفوا أن له خالقا عالما قادرا أنشأه كذلك. ويحتمل: ما ذكر من تعليم البيان بيان القرآن، وذلك راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه علمه القرآن، وعلمه البيان، [و]هو بيان القرآن؛ حتى يبين للناس كل ما يحتاجون إليه، وما لهم وما عليهم. وجائز أن يصرف بعضه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } ، وبعضه إلى آدم - عليه السلام - وهو قوله: { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } ، وتفسيره ما ذكرناه.