فقال: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا } يعني فرضنا على بني إسرائيل في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } إذا كان القتل عمداً { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } إذا كان عمداً { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } إذا كان عمداً { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } إذا كان عمداً { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } إذا كان عمداً { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } إذا كان عمداً. وروى عكرمة عن ابن عباس: أن بني النضير كان لهم شرف على بني قريظة وكانت جراحاتهم على النصف فحملهم على الحق، وجعل دم القرظي والنضيري سواء فقال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف: لا نرضى بحكمك لأنك تريد أن تصغرنا بعداوتك فنزل: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } ثم صارت الآية عامة في جميع الناس في وجوب القصاص في النفس وفي الجراحات. قرأ عاصم وحمزة ونافع: { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } والحروف الست كلها بالنصب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر كلها بالنصب غير الجروح فإنهم يقرأونها بالضم على معنى الابتداء وقرأ الكسائي قرأ كلها بالضم إلا النفس. ثم قال: { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } يعني عفى عن مظلمته في الدنيا وترك القصاص، { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } قال القتبي: فهو كفارة للجارح وأجر للمجروح. وقال مجاهد: كفارة للجارح، وأجر للعافي. وقال بعضهم: هو كفارة للعافي أي يكفر الله تعالى عنه بعفوه بعض ما سلف من ذنوبه. ويقال: { كَفَّارَةٌ لَّهُ } أي للجارح يعني إذا ترك الولي حقه سقط القصاص عن الجارح. وروى محرر عن أبي هريرة عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من أصيب بشيء في جسده فتركه لله تعالى كانت كفارة له " وقال الحسن: ينادي منادٍ يوم القيامة من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من قد عفى ثم قال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يعني يظلمون أنفسهم، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه فالذي عرض نفسه للعقوبة فقد وضع الشيء في غير موضعه. قوله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } يعني اتبعنا على أثر الرسل عيسى ابن مريم - عليه السلام - { مُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني موافقاً لما قبله { مِنَ ٱلتَوْرَاةِ }. يقال: إن عيسى يصدق التوراة ثم قال: { وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى } من الضلالة { وَنُورٌ } يعني بيان الأحكام { وَمُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } يعني الإنجيل موافقاً للتوراة في التوحيد وفي بعض الشرائع { وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الشرك والفواحش. ثم قال: { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنجِيلِ }. قرأ حمزة: (ولِيحكم) بكسر اللام ونصب الميم وقرأ الباقون: بالجزم فمن قرأ بالكسر فمعناه، وآتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل { بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ } ومن قرأ بالجزم فهو على الأمر والمراد به الخبر عن أمر سبق لهم، يعني أمرهم الله تعالى: أن يحكموا بما في الإنجيل. ثم قال: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يعني في الإنجيل وكان - حكمهم العفو { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } يعني: العاصين.