قوله تعالى ذكره: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ } ، إلى قوله: { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } ، معناه: والله خلق كل ما يدب من نطفة، فمنهم من يمشي على بطنه كالحيات، ومنهم من يمشي على رجلين: كبني آدم، والطير، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم. وجاز أن تأتي { مَّن } هنا لأنه لما خلط من يعقل لمن لا يعقل غَلَّبَ ما يعقل فقوله: { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ } ، قد يدخل فيه الناس وغيرهم من البهائم ولذلك قال: " فمنهم " ولم يقل: فمنها ولا منهن. { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } ، أي: يحدث من يشاء من الخلق { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. ثم قال تعالى: { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } ، أي: علامات واضحات دالات على طريق الحق. وقوله: { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } ، أي: يرشد من يشاء من خلقه إلى دين الإسلام وهو الطريق المستقيم. وقوله: { عَلَىٰ أَرْبَعٍ } ، تمام. قوله مبينات، قطع حسن. ثم قال: { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } ، أي: ويقول المنافقون: صدقنا بالله وبالرسول وأطعناهما. { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } ، أي: ثم تُدْبِرُ طائفة منهم من بعد قولهم وإقرارهم بالإيمان. ثم قال تعالى: { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي: ليس قائلو هذه المقالة بمؤمنين. { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } قطع. ثم قال تعالى: { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } ، يعني هؤلاء المنافقين إذا دعوا إلى كتاب الله، وإلى رسوله ليحكم بينهم فيما اختصموا فيه بحكم الله { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } ، أي: يعرضون عن قبول الحق. ثم قال تعالى: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } ، أي: إن يكن لهؤلاء المنافقين حق قِبَلَ الذين يدعونهم إلى كتاب الله يأتون إلى رسول الله منقادين لحكمه طائعين غير مكرهين. يقال: أذعن فلان بالحق إذا أقر به طائعاً. قال مجاهد: مذعنين سراعاً. وقال عطاء: هم قريش. ثم قال: { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ } ، أي: أشكّوا في رسول الله أنه نبي ورسول فيأبوا الإتيان إليه أم يخافون أن يحيف الله عليهم، أن يجور عليهم بحكمه فيهم ومعناه: أن يحيف رسول الله، ولكن بدأ باسمه جل ذكره تعظيماً. كما يقال: قد أعتقك الله ثم أعتقك، وما شاء الله ثم شئت. ويدل على ذلك قوله: { لِيَحْكُمَ } ، ولم يقل ليحكما. ثم قال: { بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } ، أي: لم يخافوا أن يحيف رسول الله عليهم فيتخلفون عنه لذلك، بل تخلفوا لأنهم قوم ظالمون لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم.