قوله تعالى: { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ } قال ابن عباس: أراد أهل مكة. { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } وهو يوم القيامة أي خوفهم ذلك اليوم. وإنما خصّهم بيوم العذاب وإن كان يوم الثّواب، لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعاصي. { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي في ذلك اليوم { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ } أي أمهلنا. { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } سألوه الرجوع إلى الدنيا حين ظهر الحق في الآخرة. { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } أي إلى الإسلام. { وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ }. فيجابوا: { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ } يعني في دار الدنيا. { مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } قال مجاهد: هو قسم قريش أنهم لا يبعثون. ابن جريج: هو ما حكاه عنهم في قوله:{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 38]. { مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } فيه تأويلان: أحدهما ـ ما لكم من انتقال عن الدنيا إلى الآخرة أي لا تبعثون ولا تحشرون وهذا قول مجاهد. الثاني ـ { مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } أي من العذاب. وذكر البَيْهَقِيّ عن محمد بن كعب القُرَظيّ قال: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله في أربعة، فإذا كان في الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً، يقولون:{ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [غافر: 11] فيجيبهم الله{ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } [غافر: 12]. ثم يقولون:{ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12] فيجيبهم الله تعالى:{ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [السجدة: 14] ثم يقولون: { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } فيجيبهم الله تعالى{ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } [إبراهيم: 44] فيقولون:{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالى:{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [فاطر: 37]. ويقولون:{ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } [المؤمنون: 106] فيجيبهم الله تعالى:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108] فلا يتكلمون بعدها أبداً خرجه ٱبن المبارك في «دقائقه» بأطول من هذا ـ وقد كتبناه في كتاب «التذكرة» ـ وزاد في الحديث { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } قال هذه الثالثة، وذكر الحديث وزاد بعد قوله:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108] فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعض، وأطبقت عليهم قال: فحدّثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله{ هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 35].