الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { إن الذين كذبوا بآياتنا } أي: بحججنا وأعلامنا التي تدل على توحيد الله ونبوَّة الأنبياء، وتكبَّروا عن الإيمان بها { لا تُفَتَّح لهم أبواب السماء }. قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: «تُفتَّح»؛ بالتاء، وشددوا التاء الثانية. وقرأ أبو عمرو «لا تُفْتَح» بالتاء خفيفة، ساكنة الفاء. وقرأ حمزة، والكسائي: «لا يُفْتَح» بالياء مضمومة خفيفة. وقرأ اليزيدي عن اختياره: «لا تَفتح» بتاء مفتوحة { أبوابَ السماء } بنصب الباء، فكأنه أشار إلى أفعالهم. وقرأ الحسن: بياء مفتوحة، مع نصب الأبواب، كأنه يشير إلى الله عز وجل. وفي معنى الكلام أربعة أقوال.

أحدها: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، رواه الضحاك عن ابن عباس، وهو قول أبي موسى الأشعري، والسدي في آخرين، والأحاديث تشهد به.

والثاني: لا تفتح لأعمالهم، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم، رواه عطاء عن ابن عباس.

والرابع: لا تفتح لأرواحهم ولا لأعمالهم، قاله ابن جريج، ومقاتل.

وفي السماء قولان.

أحدهما: أنها السماء المعروفة، وهو المشهور.

والثاني: أن لمعنى: لا تفتح لهم أبواب الجنة ولا يدخلونها، لأن الجنة في السماء، ذكره الزجاج.

قوله تعالى: { حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط } الجمل: هو الحيوان المعروف. فان قال قائل: كيف خص الجمل دون سائر الدواب، وفيها ما هو أعظم منه؟ فعنه جوابان.

أحدهما: أن ضرب المثل بالجمل يحصّل المقصود؛ والمقصود أنهم لا يدخلون الجنة، كما لا يدخل الجمل في ثقَب الإبرة، ولو ذكر أكبر منه أو أصغر منه، جاز، والناس يقولون: فلان لا يساوي درهماً، وهذا لا يغني عنك فتيلاً، وإن كنا نجد أقل من الدرهم والفتيل.

والثاني: أن الجمل أكبر شأناً عند العرب من سائر الدواب، فانهم يقدِّمونه في القوِّة على غيره، لأنه يوقَر بحمله فينهض به دون غيره من الدواب، ولهذا عجَّبهم من خلق الإبل، فقال:أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [الغاشية: 17] فآثر الله ذكره على غيره لهذا المعنى. ذكر الجوابين ابن الانباري. قال: وقد روى شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأ: «حتى يلج الجُمَّلُ» بضم الجيم وتشديد الميم، وقال: هو القَلْس الغليظ.

قال المصنف: وهي قراءة أبي رزين، ومجاهد، وابن محيصن، وأبي مجلز، وابن يعمر، وأبان عن عاصم. قال: وروى مجاهد عن ابن عباس: «حتى يلج الجُمَلُ» بضم الجيم وفتح الميم وتخفيفها.

قلت: وهي قراءة قتادة، وقد رويت عن سعيد بن جبير، وأنه قرأ: «حتى يلج الجُمْل» بضم الجيم وتسكين الميم. قلت: وهي قراءة عكرمة.

قال ابن الأنباري: فالجُمَل يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمعنى الجُمَّلُ، ويجوز أن يكون بمعنى جملة من الجِمال، قيل في جمعها: جُمَلٌ، كما قال: حُجْرة، وحُجَر، وظُلْمة وظُلَم.

السابقالتالي
2