الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ }.

المشاقة العصيان، ومنه شق العصا، والمخالفة.

وهذا يدل على أن الله تعالى أوقع ما أوقعه ببني النضير من إخراجهم من ديارهم وتخريب بيوتهم، بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله، وأن المشاقة المذكورة هي علة العقوبة الحاصلة بهم، ولا شك أن مشاقة الله ورسوله من أعظم أسباب الهلاك.

وفي الآية مبحث أصولي مبني على أن المشاقة قد وقعت من غير اليهود، فلم تقع بهم تلك العقوبة كما وقع من المشركين المنصوص عليها في قوله تعالى:إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال: 12]، وهذا في بدر قطعاً، ثم قال: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الحشر: 4]، ولما قدر صلى الله عليه وسلم على أهل مكة لم يوقع بهم ما أوقع باليهود من قتل، بل قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " فوجد الوصف الذي هو المشاقة الذي هو علة الحكم، ولم يوجد الحكم الذي هو الإخراج من الديار وتخريب البيوت.

قال الفخر الرازي: فإن قيل: لو كانت المشاقة علة لهذا التخريب لوجب أن يقال: أينما حصلت هذه المشاقة حصل التخريب، ومعلوم أنه ليس كذلك: قلنا: هذا أحد ما يدل على أن تخصيص العلة المنصوصة لا يقدح في صحتها اهـ.

وقد بحث الشيخ رحمه الله هذه المسألة في آداب البحث والمناظرة، وفي مذكرة الأصول في مبحث النقض، وعنون له في آداب البحث بقوله: تخلف الحكم ليس بنقض سواء لوجود مانع أو تخلف شرط.

ومثل لتخلف الحكم بوجود مانع بقتل الوالد ولده عمداً، مع عدم قتله قصاصاً به، لأن علة القصاص موجودة، وهي القتل العمد، والحكم وهو القصاص متخلف. ومثل لتخلف الشرط بسرقة أقل من نصاب أو من غير الحرز.

ثم قال: النوع الثالث: تخلف حكمها عنها لا لسبب من الأسباب التي ذكرنا، ومثل له بعضهم بقوله تعالى:وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } [الحشر: 3] قالوا: فهذه العلة، التي هي مشاقة الله ورسوله، قد توجد في قوم يشاقون الله ورسوله مع تخلف حكمها عنها، وهذه الآية الكريمة تؤيد قول من قال: إن النقض في فن الأصول تخصيص للعلة مطلقاً، لا نقض لها، وعزاه في مراقي السعود للأكثرين في قوله في مبحث القوادح في الدليل في الأصول:
منها وجود الوصف دون الحكم   سماه بالنقض وعاة العلم
والأكثرون عندهم لا يقدح   بل هو تخصيص وذا مصحح
إلى قوله:
ولست فيما استنبطت بضائر   إن جاء لفقد شرط أو لمانع

السابقالتالي
2 3 4 5