قوله تعالى: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } إلى آخرها. أي: عظم يا محمد اسم ربك. وقيل: معناه عظم ربك الأعلى. وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى. وقد رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك روى السدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقيل معناه: نزه يا محمد اسم ربك أن تسمي به شيئا سواه كما فعل المشركون من تسميتهم آلهتهم باللات والعزى، جعلوا العزى مشتقة من العزيز واللات من الله. وقيل: معناه: نزهه عما يقول فيه المشركون كما قال:{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108]. وقيل: معناه: نزه - يا محمد - تسميتك ربك الأعلى، وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاضع متذلل. قالوا: فالاسم هنا موضوع في موضع التسمية، فوضع الاسم مكان المصدر. وقيل: معناه: [صل] بذكر ربك الأعلى، أي: صل [وأنت له ذاكر]. وقيل: معناه صل يا محمد لربك. وقيل: معناه: عظم اسم ربك ونزّهه على أن تنسبه إلى ما نسبه إليه المشركون. وهذا مما يدل على أن الاسم هو المسمى، لأن معناه: سبح الله. وليس يجوز " سبحان " اسم الله، ولا سبحان اسم الرب، فدل على أن معنى { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } سبح ربك. وقوله: { ٱلأَعْلَىٰ }. أي: القاهر لك شيء، العالي عليه. قال عقبة بن عامر: " لما نزلت: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوها في سجودكم ". ولما نزلت: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلوها في ركوعكم " ". قال الفراء: " سبح اسم ربك " وسبح باسم ربك " ، كل صواب. كأنه جعله مما يتعدى بحرف وبغير حرف، ككلتك وكلت لك. ولا يحسن أن تقدره مما يتعدى بحرف ثم حذفه، إذ لا يجوز: مررت زيداً (على مررت بزيد) إلا في شعر شاذ. وهذا مما يستدل به على أن الاسم هو المسمى، لأنه تعالى لم يأمر نبيه أن يعبد (ويسبح) ويصلي لغيره. فمعنى: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ }: [سبح ربك]، فالاسم هو المسمى، ولو كان غيره لكانت العبادة لغير الرب [سبحانه]، والتسبيح لغيره - [جلت عظمته] - وليس يريد بالاسم هاهنا التسمية، لأنه لا اختلاف [في] أن التسمية غير / المسمى، وهذا باب يحتاج إلى بيان وشرح. ثم قال تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ }. أي: خلق الأشياء كلها، فسوّى خلقها وعدلها. والتسوية: التعديل. ثم قال: { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ }. أي: قدر خلقه فهدى الإنسان لسبيل الخير والشر، وهدى البهائم للمراعي. قال مجاهد: " هدى الإنسان للشقوة والسعادة، وهدى الأنعام [لمراتعها].