الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { فنادته الملائكة } قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: فنادته بالتاء، وقرأ حمزة، والكسائي: فناداه بألف ممالة، قال أبو علي: هو كقوله تعالى:وقال نسوة } [يوسف: 20]. وقرأ علي، وابن مسعود، وابن عباس، «فناداه» بألف. وفي الملائكة قولان. أحدهما: جبريل وحده، قال السدي، ومقاتل، ووجهه أن العرب تخبر عن الواحد بلفظ الجمع، تقول: ركبت في السفن، وسمعت هذا من الناس. والثاني: أنهم جماعة من الملائكة، وهو مذهب قوم، منهم ابن جرير الطبري. وفي المحراب قولان. أحدهما: أنه المسجد. والثاني: أنه قبلة المسجد. وفي تسمية محراب الصلاة محراباً، ثلاثة أقوال. أحدها: لانفراد الإمام فيه، وبُعده من الناس، ومنه قولهم: فلان حرب لفلان: إذا كان بينهما مباغضة، وتباعد، ذكره ابن الأنباري عن أبيه، عن أحمد بن عبيد. والثاني: أن المحراب في اللغة أشرف الأماكن، وأشرف المسجد مقام الإمام. والثالث: أنه من الحرب فالمصلي محارب للشيطان.

قوله تعالى: { أنَّ الله يبشِّرك بغلام } قرأ الأكثرون بفتح الألف على معنى: فنادته الملائكة بأن الله، فلما حذف الجار منها، وصل الفعل إليها، فنصبها. وقرأ ابن عامر، وحمزة، بكسر «إنَّ» فأضمر القول. والتقدير: فنادته: فقالت: إن الله يبشرك. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء: وفتح الباء، والتشديد في جميع القرآن إلا في { حم عسق }يبشر الله عباده } [الشورى: 23] فإنهما فتحا الياء وضما الشين، وخففاها. فأما نافع، وابن عامر، وعاصم، فشددا كل القرآن. وقرأ حمزة: «يبشر» خفيفاً في كل القرآن، إلا قوله تعالى:

فبم تبشرون } [الحجر: 54]. وقرأ الكسائي «يبشر» مخففة في خمسة مواضع، في { آل عمران } في قصة زكرياء، وقصة مريم، وفي بني (إسرائيل)، وفي (الكهف) وفي (حم عسق) قال الزجاج: وفي «يبشرك» ثلاث لغات. أحدها: يبشرك، بفتح الباء وتشديد الشين، والثانية: «يبشرك» باسكان الباء، وضم الشين. والثالثة: «يبشرك» بضم الياء وإسكان الباء، فمعنى «يبشرك» بالتشديد و «يبشرك» بضم الياء: البشارة. ومعنى «يبشرك» بفتح الياء: يَسُرّك ويفرحك، يقال: بشَرت الرجل أبشُرُه،: إذا أفرحته، وبشر الرجل يبشَر: إذا فرح.

وأنشد الأخفش والكسائي:
وإِذا لقيت الباهشين الى العلى   غُبْراً أكفُّهُم بقاعٍ مُمحِل
فأعنهمُ وابشَرْ بِما بَشِروا به   واذا هُمُ نزلوا بضنك فانزل
فهذا على بشر يبشَر: إذا فرح. وأصل هذا كله أن بشَرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومنه قولهم: يلقاني ببشر. أي: بوجهٍ منبسط، وفي معنى تسميته «يحيى» خمسة أقوال.

أحدها: لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه، قاله ابن عباس. والثاني: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان، قاله قتادة. والثالث: لأنه أحياه بين شيخ وعجوز، قاله مقاتل. والرابع: لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها، قاله الزجاج. والخامس: لأن الله أحياه بالطاعة، فلم يعص، ولم يَهمَّ، قاله الحسن بن الفضل.

السابقالتالي
2