الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

قوله: { وَفِي مُوسَىٰ }: فيه أوجهٌ، أحدُها: ـ وهو الظاهر ـ أنه عطفٌ على قولِه: " فيها " بإعادةِ الجارِّ؛ لأن المعطوفَ عليه ضميرٌ مجرورٌ فيتعلَّقُ بـ " تَرَكْنا " من حيث المعنى، ويكونُ التقديرُ: وتَرَكْنا في قصةِ موسى آيةً. هذا معنىً واضحٌ. والثاني: أنه معطوفٌ على قولِه:وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ } [الذاريات: 20] أي: وفي الأرضِ وفي موسى آياتٌ للموقِنين، قاله الزمخشري وابنُ عطية. قال الشيخُ: " وهذا بعيدٌ جداً يُنَزَّه القرآنُ عن مثلِه ". قلت: ووجهُ استبعادِه له: بُعْدُ ما بينهما، وقد فعل أهلُ العلمِ هذا في أكثرَ من ذلك. الثالث: أنه متعلقٌ بـ " جَعَلْنا " مقدرةً لدلالةِ " وتَرَكْنا ". قال الزمخشري: " أو على قولِه ـ يعني أو يُعْطَفُ على قولِ ـ وترَكْنا فيها آيةً على معنى: وجَعَلْنا في موسى آيةً كقوله:
4111ـ فَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً   ............................
قال الشيخ: " ولا حاجةَ إلى إضمار " وجَعَلْنا " لأنه قد أمكن أَنْ يكونَ العامل في المجرور " وتَرَكْنا ". قلت: والزمخشريُّ إنما أراد الوجهَ الأولَ بدليلِ قوله: " وفي موسى معطوفٌ على " وفي الأرض " أو على قوله: " وتركْنا فيها ". وإنما قال: " على معنى " من جهةِ تفسيرِ المعنى لا الإِعراب، وإنما أظهر الفعلَ تنبيهاً على مغايرة الفعلَيْن. يعني: أن هذا التركَ غيرُ ذاك التركِ، ولذلك أبرزَه بمادةِ الجَعْلِ دون مادة التركِ لتظهرَ المخالفةُ.

قوله: { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ } يجوز في هذا الظرفِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ منصوباً بآية على الوجهِ الأول أي: تركنا في قصة موسى علامةً في وقتِ إرْسالِنا إياه. والثاني: أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنَّه نعتٌ لآية أي: آيةً كائنةً في وقتِ إرْسالِنا. الثالث: أنه منصوبٌ بـ " تَرَكْنا ".

قوله: { بِسُلْطَانٍ } يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الإِرسال، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ: إمَّا مِنْ موسى، وإمَّا مِنْ ضميرِه أي: ملتبساً بسلطان، وهي الحُجَّةُ.