الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة، وتحليلهم ما حرم الله، وتحريمهم ما أحل الله، فإنهم كان فيهم من القوة الغضبية، والشهامة والحمية، ما استطالوا به مدة الأشهر الثلاثة في التحريم المانع لهم من قضاء أوطارهم من قتال أعدائهم، فكانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم، فأخروه إلى صفر، فيحلون الشهر الحرام، ويحرمون الشهر الحلال ليواطئوا عدة ما حرم الله الأشهر الأربعة كما قال شاعرهم، وهو عمير بن قيس المعروف بجذل الطعان
لقد علمتْ مَعَدٌّ بأنَّ قومي كرامُ الناسِ إِنَّ لَهُمْ كِراما ألَسْنا الناسِئينَ على مَعَدَ شُهورَ الحلِّ نجعلُها حَراما فأَيُّ الناسِ لم نُدْرِكْ بِوِتْرٍ وأيُّ الناسِ لَمْ نُعْلِك لِجاما   
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { إِنَّمَا ٱلنَّسِىۤءُ زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ } قال النسيء أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول العامَ حلال، فيحله للناس، فيحرم صفراً عاماً، ويحرم المحرم عاماً، فذلك قول الله { إِنَّمَا ٱلنَّسِىۤءُ زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ } يقول يتركون المحرم عاماً، وعاماً يحرمونه، وروى العوفي عن ابن عباس نحوه، وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له، فيقول يا أيها الناس إني لا أعاب ولا أجاب، ولا مرد لما أقول، إنا قد حرمنا المحرم، وأخرنا صفر. ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته، ويقول إنا قد حرمنا صفر، وأخرناالمحرم، فهو قوله { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } قال يعني الأربعة، فيحلوا ما حرم الله لتأخير هذا الشهر الحرام، وروي عن أبي وائل والضحاك وقتادة نحو هذا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله { إِنَّمَا ٱلنَّسِىۤءُ زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ } الآية، قال هذا رجل من بني كنانة يقال له القلمس، وكان في الجاهلية، وكانوا في الجاهلية لا يغير بعضهم على بعض في الشهر الحرام، يلقى الرجل قاتل أبيه، ولا يمد إليه يده، فلما كان هو، قال اخرجوا بنا، قالوا له هذا المحرم، قال ننسئه العام، هما العام صفران، فإذا كان العام القابل، قضينا، جعلناهما محرمين، قال ففعل ذلك، فلما كان عام قابل، قال لا تغزوا في صفر، حرموه مع المحرم، هما محرمان، فهذه صفة غريبة في النسيء، وفيها نظر لأنهم في عام إنما يحرمون على هذا ثلاثة أشهر فقط، وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر، فأين هذا من قوله تعالى { يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ }؟ وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضاً، فقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلنَّسِىۤءُ زِيَادَةٌ فِى ٱلْكُفْرِ } الآية، قال فرض الله عز وجل الحج في ذي الحجة، قال وكان المشركون يسمون ذا الحجة المحرم وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى ورجب وشعبان ورمضان وشوالاً وذا القعدة وذا الحجة، يحجون فيه مرة، ثم يسكتون عن المحرم، ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفراً، ثم يسمون رجب جمادى الآخرة، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون شوالاً رمضان، ثم يسمون ذا القعدة شوالاً، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة، ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه واسمه عندهم ذا الحجة.

السابقالتالي
2 3