الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } الآية. لما قال:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الفرقان: 31] وذكر ذلك في معرض التسلية له، ذكر جماعة من الأنبياء، وعرفه تكذيب أممهم، والمعنى: لست يا محمد بأول من أرسلنا فكذب (وآتيناه الآيات فرُدّ): فقد آتينا موسى الكتاب، وقوينا عضده بأخيه هارون (ومع ذلك فقد رُدّ). فإن قيل: كون هارون وزيراً كالمنافي لكونه شريكاً، بل يجب أن يقال: إنه لما صار (شريكاً) خرج عن كونه وزيراً. فالجواب: لا منافاة بين الصنفين، لأنه لا يمنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيراً، وظهيراً، ومعيناً له. ولا وجه لقول من قال في قوله: " فَقُلْنَا اذْهَبا " إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله:ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [طه: 43].

قوله: " هَارونَ " بدل، أو بيان، أو منصوب على القطع و " وَزِيراً " مفعول ثان، وقيل: حال، والمفعول الثاني قوله " معه ". قال الزجاج: الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويعمل برأيه، والوزر ما يعتصم به، ومنه:كَلاَّ لاَ وَزَرَ } [القيامة: 11] أي: لا منجى ولا ملجأ. قال القاضي: ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيراً.

قوله: { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يعني القبط.

قوله: " فَدمَّرْنَاهُمْ ". العامة على " فَدَمَّرْنَا " فعلاً ماضياً معطوفاً على محذوف، أي: فذهب فكذبوهما " فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْميراً " أهلكناهم إهلاكاً. وقرأ عليّ - كرم الله وجهه - " فدمِّراهم " أمر لموسى وهارون، وعنه أيضاً: " فَدَمِّرَانِّهِمْ " كذلك أيضاً، ولكنه مؤكد بالنون الشديدة، وعنه أيضاً: " فدمِّرا بِهِم " بزيادة باء الجر بعد فعل الأمر، وهي تشبه القراءة قبلها في الخط، ونقل عنه الزمخشري " فَدَمَّرْتُهم " بتاء المتكلم. فإن قيل: الفاء للتعقيب، والإهلاك لم يحصل عقيب بعث موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة.

فالجواب: فاء التعقيب محمولة هنا على الحكم بالإهلاك لا على الوقوع. وقيل: إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر المقصود منها أولها وآخرها، والمراد إلزام الحجة ببعثة الرسل، واستحقاق التدمير بتكذيبهم. واعلم أن قوله: " كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب الآيات الإلهية فلا إشكال، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة، فاللفظ وإن كان للماضي فالمراد به المستقبل.