وقوله تعالى: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } هذه الجماعَةُ التي يقْبِلُ بعضُها على بعضٍ هي جِنٌّ وإنْسٌ؛ قاله قتادة، وتَسَاؤُلُهم هو على معنى التَّقْرِيعِ واللَّوْمِ والتَّسَخُّطِ، والقائلون: { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا } إما أنْ يكونَ الإنْسُ يقولونها للشياطينِ؛ وهذا قول مجاهد وابن زيد، وإما أنْ يكونَ ضَعَفَةُ الإنْسِ يقولُونَهَا لِلكبراءِ والقادةِ، واضطَرَبَ المُتَأَوِّلُونَ في معنى قولهم: { عَنِ ٱلْيَمِينِ }؛ فعبَّر ابنُ زيد وغيرُه عنه بطريقِ الجَنَّةِ، ونحو هذا من العباراتِ التي هي تفسيرٌ بالمَعْنَىٰ، ولا يختصُّ بنَفْسِ اللَّفْظَةِ، والذي يخصُّها مَعَانٍ: منها أن يريدَ باليمين: القوةَ. أي: تحملونَنَا على طريقِ الضَّلاَلَةِ بقوةٍ، ومنها أن يريدَ باليمينِ. اليُمْنَ، أي: تأتوننا من جِهَة النصائِح والعملِ الذي يُتَيَمَّنُ به، ومن المعاني التي تحتملها الآيةُ؛ أن يريدوا أنكم كُنتم تجيئُونَنَا من جهة الشَّهَوَاتِ، وأكثرُ ما يَتَمكَّنُ هذا التأويلُ مع إغواء الشياطين، وقيلَ: المعنَىٰ تَحْلِفونَ لنا، فاليمينُ علَىٰ هذا: القَسَمُ، وقد ذَهَبَ بعضُ العلماءِ في ذكرِ إبليسَ جهاتِ بني آدم في قوله:{ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [الأعراف:17] إلى ما ذكرناه من جهةِ الشهوات. ثم أخْبَرَ تعالى عن قول الجِنّ المجيبينَ لهؤلاءِ بقولهم: { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } ، أي: ليس الأمْرُ كما ذكرتمْ؛ بل كانَ لكمُ اكتسابُ الكُفْرِ؛ وما كانَ لنَا عليكم حُجَّةٌ، وبنحو هذا فَسَّرَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قولُ الجِنِّ إلى { غَـٰوِينَ }. ثم أخْبَرَ تعالى بأنهم جميعاً في العذابِ مشتركون، وأنَّ هذا فعلُه بأهل الجُرْم والكُفْر.