قوله تعالى: { والمرسلات عُرْفاً } فيه أربعة أقوال. أحدها: أنها الرياح يَتْبَعُ بعضُها بعضاً، رواه أبو العُبَيْدَينِ، عن ابن مسعود، والعوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة. والثاني: أنها الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه، رواه مسروق عن ابن مسعود، وبه قال أبو هريرة، ومقاتل. وقال الفراء: هي الملائكة. فأما قوله تعالى: «عُرْفاً» فيقال: أُرْسِلتْ بالمعروف، ويقال: تَتَابَعَتْ كعُرْفِ الفَرَسِ. والعرب تقول: يركب الناس إلى فلان عُرْفاً واحداً: إِذا توجهوا إليه فأكثروا. قال ابن قتيبة: يريد أن الملائكة متتابعة بما ترسَل به. وأصله من عُرْف الفَرَسِ، لأنه سطر مستوٍ بعضه في إِثر بعض، فاستعير للقوم يتبع بعضُهم بعضاً. والثالث: أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات، وهذا معنى قول أبي صالح، ذكره الزجاج. والرابع: الملائكة والريح، قاله أبو عبيدة. قال: ومعنى «عُرْفاً»: يتبع بعضها بعضاً. يقال: جاؤوني عُرْفاً. وفي { العاصفات } قولان. أحدهما: أنها الرياح الشديدة الهبوب، قاله الجمهور. والثاني: الملائكة، قاله مسلم بن صبيح. قال الزجاج: تعصف بروح الكافر. وفي «الناشرات» خمسة أقوال. أحدها: أنها الرياح تنشر السحاب، قاله ابن مسعود، والجمهور. والثاني: الملائكة تنشر الكتب، قاله أبو صالح. والثالث: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد، قاله الضحاك. والرابع: البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح، قاله الربيع. والخامس: المطر ينشر النبات، حكاه الماوردي. وفي «الفارقات» أربعة أقوال. أحدها: الملائكة تأتي بما يفرِّق بين الحق والباطل، قاله الأكثرون. والثاني: آي القرآن فَرَّقَتْ بين الحلال والحرام، قاله الحسن، وقتادة، وابن كيسان. والثالث: الريح تفرّق بين السحاب فتبدِّدُه، قاله مجاهد. والرابع: الرسل، حكاه الزجاج. { فالملقيات ذكراً } قولان. أحدهما: الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء، وهذا مذهب ابن عباس، وقتادة، والجمهور. والثاني: الرسل يلقون ما أُنزل عليهم إلى الأمم، قاله قطرب. قوله تعالى: { عُذْراً أو نُذْراً } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم «عُذْراً» خفيفاً «أو نُذُراً» مثقلاً. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص، وخلف «عُذْراً أو نُذْراً» خفيفتان. قال الفراء: وهو مصدر، مثقَّلاً كان أو مخفّفاً. ونصبه على معنى: أُرسلتُ بما أرسلتُ به إِعذاراً من الله وإنذاراً. وقال الزجاج: المعنى: فالملقياتِ عُذراً أو نُذراً. ويجوز أن يكون المعنى: فالملقيات ذكراً للإعذار والإنذار. وهذه المذكورات مجرورات بالقسم. وجواب القسم { إنَّما تُوعَدُون لواقع } قال المفسرون: إنَّ ما توعَدون به من أمر الساعة، والبعث، والجزاء لَواقِعٌ، أي: لكائن. ثم ذكر متى يقع فقال تعالى: { فإذا النجوم طُمست } أي: مُحِيَ نُورُها { وإذا السماءُ فُرِجَتْ } أي: شُقَّتْ { وإذا الجبال نُسِفَتْ } قال الزجاج: أي: ذُهِبَ بها كلُّها بسرعة. يقال: انتسفتُ الشيء: إذا أخذتَه بسرعة.