الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }

{ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } الظاهر أنه إشارة إلى ما تقدم من خلق السماء وإغطاش الليل وإخراج النهار دون خلق السماء فقط وانتصاب (الأرض) بمضمر قيل على شريطة التفسير وقيل تقديره تذكر أو تدبر أو اذكر وستعلم ما في ذلك إن شاء الله تعالى.

ومعنى قوله تعالى: { دَحَـٰهَا } بسطها ومدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها من الدحو أو الدحي بمعنى البسط وعليه قول أمية بن أبـي الصلت:
وبث الخلق فيها إذ دحاها   فهم قطانها حتى التنادي
وقيل دحاها سواها وأنشدوا قول زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت   له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدها   بأيد وأرسى عليها الجبالا
والأكثرون على الأول وأنشد الإمام بيت زيد فيه.

والظاهر أن دحوها بعد خلقها وقيل مع خلقها فالمراد خلقها مدحوة وروي الأول عن ابن عباس ودفع به توهم تعارض بين آيتين. أخرج عبد بن حميد وابن أبـي حاتم عنه أن رجلاً قال له آيتان في كتاب الله تعالى تخالف إحداهما الأخرى فقال إنما أتيت من قبل رأيك اقرأ: قَالقُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } [فصلت: 9] حتى بلغثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [فصلت: 11] وقوله تعالى: { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } قال خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السماء ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعدما خلق السماء وإنما قوله سبحانه { دَحَـٰهَا } بسطها.

وتعقبه الإمام بأن الجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي ويستحيل أن يكون هذا الجسم العظيم مخلوقاً ولا يكون ظاهره مدحواً مبسوطاً. وأجيب أنه لعل مراد القائل بخلقها أولاً ثم دحوها ثانياً خلق مادتها أولاً ثم تركيبها وإظهارها على هذه الصورة والشكل مدحوة مبسوطة وهذا كما قيل في قوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [فصلت: 11] إن السماء خلقت مادتها أولاً ثم سويت وأظهرت على صورتها اليوم.

وعن الحسن ما يدل على أنها كانت يوم خلقت قبل الدحو كهيئة الفهر ويشعر بأنها لم تكن على عظمها اليوم وتعقبه بعضهم بشيء آخر وهو أنه يأبى ذلك قوله تعالى:خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 29] الآية فإنه يفيد أن خلق ما في الأرض قبل خلق السمٰوات ومن المعلوم أن خلق ما فيها إنما هو بعد الدحو فكيف يكون الدحو بعد خلق السمٰوات. وأجيب بأن { خَلَقَ } في الآية بمعنى قدر أو أراد الخلق ولا يمكن أن يراد به فيها الإيجاد بالفعل ضرورة أن جميع المنافع الأرضية يتجدد إيجادها أولاً فأولاً. سلمنا أن المراد الإيجاد بالفعل لكن يجوز أن يكون المراد خلق مادة ذلك بالفعل.

السابقالتالي
2 3