الرئيسية - التفاسير


* تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يخبر تعالى عباده خبراً متضمناً النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة، وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة، لما فيها من الدم المحتقن، فهي ضارة للدين وللبدن، فلهذا حرمها الله عزَّ وجلَّ، ويستثنى من الميتة السمك فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها، لما رواه مالك والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر؟ فقال: " هو الطهور ماؤه، والحل ميتته " وقوله: { وَٱلْدَّمُ } يعني به المسفوح كقوله:أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [الأنعام: 145]، قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال؟ فقال: كلوه. فقالوا: إنه دم، فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح. وعن عائشة قالت: إنما نهي عن الدم السافح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال " وقال ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وهو (صدي بن عجلان) قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شرائع الإسلام، فأتيتهم؛ فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة من دم، فاجتمعوا عليها يأكلونها، فقالوا: هلمَّ يا صدي، فكل، قال قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم، فأقبلوا عليه، قالوا: وما ذاك؟ فتلوت عليهم هذه الآية: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } الآية، وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق:
وإياك والميتات لا تقربَنَّها   ولا تأخذن عظماً حديداً فتفصدا
أي لا تفعل فعل الجاهلية، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئاً محدداً من عظم ونحوه، فيفصد به بعيره أو حيواناً من أي صنف كان، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه، ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة.

قوله تعالى: { وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } يعني إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم، ولا يحتاج إلى تحذلق " الظاهرية " في جمودهم هٰهنا، وتعسفهم في الاحتجاج بقوله:فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً } [الأنعام: 145] يعنون قوله تعالى:إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } [الأنعام: 145] أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه، وهذا بعيد من حيث اللغة، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء، كما هو المفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد. وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8