الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ }

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } وعيد لهم على كفرهم واستكبارهم ببيان ما أصاب أضرابهم. و { كَمْ } مفعول { أَهْلَكْنَا } و { مّن قَرْنٍ } تمييز، والمعنى، قرناً كثيراً أهلكنا من القرون الخالية { فَنَادَوْاْ } عند نزول بأسنا وحلول نقمتنا استغاثة لينجوا من ذلك، وقال الحسن وقتادة: رفعوا أصواتهم بالتوبة حين عاينوا العذاب لينجوا منه { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } حال من ضمير { نَادُواْ } والعائد مقدر وإن لم يلزم أي مناصهم ولات هي لا المشبهة بليس عند سيبويه زيدت عليها تاء التأنيث لتأكيد معناها وهو النفي لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى أو لأن التاء تكون للمبالغة كما في علامة أو لتأكيد شبهها بليس بجعلها على ثلاثة أحرف ساكنة الوسط، وقال الرضي: إنها لتأنيث الكلمة فتكون فتأكيد التأنيث واختصت بلزوم الأحيان ولا يتعين لفظ الحين إلا عند بعض وهو محجوج بسماع دخولها على مرادفه، وقول المتنبـي:
لقد تصبرت حتى لات مصطبر   والآن أقحم حتى لات مقتحم
وإن لم يهمنا أمره مخرج على ذلك بجعل المصطبر والمقتحم اسمي زمان أو القول بأنها داخلة فيها على لفظ حين مقدر بعدها؛ والتزموا حذف أحد الجزأين والغالب حذف المرفوع كما هنا على قراءة الجمهور أي ليس الحين حين مناص، ومذهب الأخفش أنها لا النافية للجنس العاملة عمل إن زيدت عليها التاء فحين مناص اسمها والخبر محذوف أي لهم، وقيل إنها لا النافية للفعل زيدت عليها التاء ولا عمل لها أصلاً فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب كما هنا فبعدها فعل مقدر عامل فيه أي ولا ترى حين مناص.

وقرأ أبو السمال { ولات حين } بضم التاء ورفع النون فعلى مذهب سيبويه { حِين } اسم { لات } والخبر محذوف أي ليس حين مناص حاصلاً/ لهم، وعلى القول الأخير مبتدأ خبره محذوف وكذا على مذهب الأخفش فإن من مذهبه كما في «البحر» أنه إذا ارتفع ما بعدها فعلى الابتداء أي فلا حين مناص كائن لهم. وقرأ عيسى بن عمر { ولات حين } بكسر التاء مع النون كما في قول المنذر بن حرملة الطائي النصراني:
طلبوا صلحنا ولات أوان   فأجبنا أن لات حين بقاء
وخرج ذلك إما على أن لات تجر الأحيان كما أن لولا تجر الضمائر كلولاك ولولاه عند سيبويه، وإما على إضمار من كأنه قيل: لات من حين مناص ولات من أوان صلح كما جروا بها مضمرة في قولهم على كم جذع بيتك أي من جذع في أصح القولين، وقولهم:
ألا رجل جزاه الله خيراً   
يريدون ألا من رجل، ويكون موضع من حين مناص رفعاً على أنه اسم لات بمعنى ليس كما تقول ليس من رجل قائماً، والخبر محذوف على قول سيبويه وعلى أنه مبتدأ والخبر محذوف على قول غيره، وخرج الأخفش ولات أوان على إضمار حين أي ولات حين أوان صلح فحذفت حين وأبقى أوان على جره، وقيل: إن أوان في البيت مبني على الكسر وهو مشبه بإذ في قول أبـي ذؤيب:

السابقالتالي
2 3 4