الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

هذا هو المستثنى من الإنسان المتقدم، مما دل على العموم كما قدمنا، والإيمان لغة التصديق وشرعاً الاعتقاد الجازم بأركان الإيمان الستة، في حديث جبريل عليه السلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان.

وعملوا الصالحات: العطف يقتضي المغايرة.

ولذا قال بعض الناس: إن الأعمال ليست داخلة في تعريف الإيمان ومقالاتهم معروفة.

والجمهور: أن الإيمان اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح.

فالعمل داخل فيه ويزيد وينقص، وقد قدمنا: أن العمل شرط أقرب من أن يكون جزءاً، أي أن الإيمان يصدق بالاعتقاد، ولا يتوقف وجوده على العمل، ولكن العمل شرط في الانتفاع بالإيمان، إذا تمكن العبد من العمل، ومما يدل لكون الإيمان يصدق عليه حد الاعتقاد والنطق، ولو لم يتمكن العبد من العمل، قصة الصحابي الذي أسلم عند بدء المعركة، وقاتل، واستشهد ولم يصلّ لله ركعة فدخل الجنة.

والجمهور: على أن مجرد الاعتقاد لا ينفع صاحبه، كما كان يعتقد عم النَّبي صلى الله عليه وسلم صحة رسالته، ولكنه لم يقل كلمة يحاج له صلى الله عليه وسلم بها، وكذلك لو اعتقد ونطق بالشهادتين، ولم يعمل كان مناقضاً لقوله.

وقد قدمنا هذه المسألة مفصلة.

والصالحات: جمع صالحة، وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه وتعريفه وشروط كون العمل صالحاً بأدلته من كونه موافقاً لكتاب الله صاحبه خالصاً لوجه الله، وكونه صادراً من مؤمن بالله، إلخ.

وقوله: { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ }.

يعتبر التواصي بالحق، من الخاص بعد العام، لأنه داخل في عمل الصالحات.

وقيل: إن التواصي، أن يوصي بعضهم بعضاً بالحق.

وقيل: الحق كل ما كان ضد الباطل فيشمل عمل الطاعات، وترك المعاصي.

واعتبر هذا أساساً من أسس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقرينة التواصي بالصبر، أي على الأمر والنهي، على ما سيأتي إن شاء الله.

وقيل: الحق، هو القرآن، لشموله كل أمر وكل نهي، وكل خير، ويشهد لذلك قوله تعالى في حق القرآنوَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } [الإسراء: 105].

وقوله:إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينِ } [الزمر: 2].

وقد جاءت آيات في القرآن تدل على أن الوصية بالحق تشمل الشريعة كلها، أصولها وفروعها، ماضيها وحاضرها، من ذلك ما وصى الله به الأنبياء وعموماً، من نوح وإبراهيم ومن بعدهم في قوله تعالى:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13].

وإقامة الدين للقيام بكليته، وقد كانت هذه الوصية عمل الرسل لأممهم ومن بعدهم، فنفذها إبراهيم عليه السلام كما قال تعالى:وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

السابقالتالي
2 3