الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } الآية.

المعنى: أن الله تعالى حرم [أكَلَ كل] ما مات من الأنعام وغيرها قبل التذكية، وحرم الدم المسفوح ولحم الخنزير [مُذَكّى] أو غير [مُذَكّى] وحرم { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } وهو (ما ذبح) للأصنام والأزلام وشبهها مما أريد به غير الله، ومما تُعُمِّدَ في وقت ذبحه تَركُ ذكر اسم الله عليه، وحرم { ٱلْمُنْخَنِقَةُ } وهي التي تَخْتَنِقُ بحبل أو بين حجرين أو عودين - ونحو ذلك - فتموت قبل التذكية، وحرم { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } وهي التي تموت من ضرب عصا أو حجر أو [غير] ذلك فتموت قبل التذكية، وحرم { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } وهي التي تسقط من جبل أو في بئر ونحو ذلك فتموت قبل التذكية، وحرم { ٱلنَّطِيحَةُ } وهي التي تموت من نطح شاة أخرى لها، أو من نطحها لشاة أخرى، وكانوا يأكلون ذلك في الجاهلية من غير تذكية.

واختلف في { ٱلنَّطِيحَةُ } فقيل: (هي) " فعيلة " (بمعنى " مفعولة " وقيل هي) بمعنى " فاعلة " ، ولذلك ثبتت الهاء (فيها).

وقال الفراء: إنما ثبتت الهاء، لأنه ليس قبلها مؤنث فتحذف الهاء لدلالة المؤنث على التأنيث، إنما تحذف إذا كان قبلها ما يدل على التأنيث.

وحرم { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وهو أن [يؤخذ] منه وقد أكل بعضها وليس مما علّم / للصيد.

وكان سبب ذكر هذه الأشياء أن العرب الجاهلية كانت تضرب الشاة بالعصا حتى تموت وتأكلها، وكانت تأكل ما لحقت من الشاة وغيرها في فم الأسد، وكانت تخنق الشاة بالحبل حتى تموت وتأكلها، وكانت تأكل جميع ما ذكر الله تحريمهُ، فأنبأنا الله بتحريمه، وهذه حجة من أجاز أكل جميع ذلك إذا ذكى وفيه حياة على أي: حال كان.

قوله { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } اختلف العلماء في هذا الاستثناء: فأكثرهم على أنه مستثنى ذكر تحريمه، كأنه حرم علينا جميع ما ذكره إلا ما أدركنا ذكاته وفيه شيء من روح. وأكثر الفقهاء على أن ما أدرك من جميعه فذكيّ وتحركت رجله أو طرف بعينه أو علم أنه بقيت (فيه) حياة، فإنه يؤكل.

ومنهم من يرى أن هذا الاستثناء إنما هو من التحريم، لاَ مِنَ المحرمات المذكورة، كأن تقديره: إلا ما أحله الله لكم بالتذكية، وهو مذهب أهل المدينة، فيكون المعنى: إلا ما ذكيتم مما ذكر مما تُرجى له الحياة لو ترك، لا ما ذكيتم مما لا ترجى (له) الحياة لو ترك، فكل ما أصيب من ذلك في مقتل، فلا تنفع فيه الذكاة وإن أدرك وفيه حياة، هذا مذهب مالك وأهل المدينة.

ويدل على صحة هذا القول أن هذه الأشياء المذكورات بالتحريم لو كانت لا تحرم إلا بالموت قبل الذكاة، لكان قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } يغني عن ذكر ما بعده، ولا يكون لِذكرِ ما بعد الميتة فائدة.

السابقالتالي
2 3 4