الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ألم تَرَ كيف فَعَلَ ربُّكَ بأصحابِ الفيل } الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، أو لكل سامع، والهَمزة للتقرير، و " كيف " معلقة لفعل الرؤية، منصوبة بما بعدها. والرؤية: علمية، أي: ألم تعلم علماً ضرورياً مزاحماً للمشاهدة والعيان باستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. وتعليق الرؤية بكيفية فعله ـ عزّ وجل ـ لا بنفسه، بأن يُقال: ألم ترَ ما فعل ربُّك لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة، دالة على عِظم قدرة الله عزّ وجل، وكمال عِلمه وحكمته، وعزة بيته، وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم فإنَّ ذلك مِن الإرهاصات له، لِما رُوي أنَّ الوقعة وقعت في السنة التي وُلد فيها صلى الله عليه وسلم. وتفصيلها: إنَّ أُبرهة بن الصَبَّاح الأشرم، مالك اليمن من قِبل النجاشي، بنى بصنعاء كنيسة، سماها القُلَّيس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة، فأحدث فيها ليلاً، وذكر الواقدي: أنَّ الرجل لطّخ قبلتها بالعذرة، ورمى فيها الجيف، قال: واسمه " نفيل الحضرمي " فغضب أبرهة، وحلف ليهدمنّ الكعبة، فخرج من الحبشة، ومعه فيل، اسمه " محمود " وكان قويًّا عظيماً، بعثه النجاشي إليه، ومعه اثنا عشر فيلاً غيره، وقيل: ثمانية، فلما بلغ " المُغَمسَ " خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبّأ جيشه، وقدّم الفيل، فأخذ نفيل بن حبيب بأُذنه، وقال: أبرك محمود، فإنك في حرم الله، وارجع من حيث جئت راشداً، فبرك فكان كُلما وجَّهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجَّهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل اللهُ عليهم سحابة من الطير خرجت من البحر، مع كل طائر حجر في منقاره، وحجر في رجليه، أكبر من العدسة، وأصغر من الحمّصَةِ، فكان الحجرُ يقع على رأس الرجل، ويخرج من دُبره، وعلى كل حجر اسم مَن يقع عليه، ففرُّوا وهلكوا في كل طريق ومنهل، ورُمي أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره " أبو يسكوم " ، وطائر يُحلّق فوقه، حتى بلغ النجاشي، فقصّ عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر، فخرّ ميّتاً بين يديه. ورُوي: أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليه في شأنها، فلما رآه أبرهة عَظُمَ في عينه، وكان وسيماً جسيماً فقيل له: هذا سيّد قريش، وصاحب عير مكّة، الذي يُطعم الناس في السهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فنزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على بساطه، وقيل: أَجلسه معه، وقال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فلما ذكر له حاجته، وهو: أن يرد إليه إبله، قال: سَقَطت من عيني، جئتُ لأهدم البيت، الذي هو دينك ودين آبائك، وعِصمتكم، وشرفكم في قديم الدهر، لا تكلمني فيه، ألهاك عنه ذود أُخذت لك؟ فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل، وإنَّ للبيت ربًّا يحيمه، قال أبرهة: ما كان ليحميه مني، فقال: ها أنت وذلك.

السابقالتالي
2