الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وتقدَّم أيضاً إعرابُ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ }: وأصلُها وقدم هنا لفظَ الجلالة في قوله: { وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } وأُخِّرت هناك، لأنها في البقرة فاصلةٌ أو تشبه الفاصلة بخلافِها هنا، فإنها بعدَها معطوفاتٌ. والموقوذة: هي التي وُقِذَت أي: ضُربت بعصا ونحوها حتى ماتت، مِنْ: وَقَذَه أي: ضَرَبه حتى استرخى، ومنه: " وقَذَه النعاس " أي: غَلَبه، ووقَذْه النعاس " أي: غَلَبه، ووقَذه الحُلُم أي: سكنه، وكأن المادة دالة على سكون واسترخاء. والمُتَرَدِّيَةُ: مِنْ تَرَدَّى أي: سقط من عُلُوٍّ فهلك، ويقال: " ما يَدْري أين رَدَى " أي: ذهب، وَرَدَى وَتَردَّى بمعنى هَلك، والنَّطيحة: فعيلة بمعنة مفعولة، وكان مِنْ حقها ألاَّ تدخلها تاءُ التأنيث كقتيل وجريح، إلا أنها جَرَتْ مَجْرى الأسماء أو لأنها لم يُذْكَر موصوفها، كذا قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ، لأنهم إنما يُلحقون التاء إذا لم يُذْكر الموصوف لأجلِ اللَّبس نحو: " مَرَرْتُ بقتيلة بن فلان " لئلا يُلْبِس المذكرُ بالمؤنث، وهنا اللبسُ منتفٍ، وأيضاً فحكمُ الذكر والأنثى في هذا سواءٌ. و " ما أكل السَّبُعُ ": " ما " بمعنى الذي وعائده محذوف أي: وما أكلَه السبع، ومحلُّ هذا الموصولِ الرفعُ عطفاً على ما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا غيرُ ماشٍ على ظاهرة لأنَّ ما أكله السبع وفرغ منه لا يُذ‍َكَّى، ولذلك قال أبو القاسم الزمخشري: " وما أكل بعضَه السبُع " وقرأ الحسن والفياض وأبو حيوة: " السَّبْع " بسكون الباء وهو تسكين للمضموم. ونُقل فتح السين والباء معاً، والسَّبُع: كل ذي ناب ومِخْلب كالأسد والنمر، ويُطْلَقُ على ذي المخلب من الطيور أيضاً، قال:
1692- وسِباعُ الطيرِ تَغْدُو بِطاناً   تتخطَّاهُمُ فما تَسْتَقِلُّ
قوله: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان، أحدهما: أنه مستثنى متصل، والقائلون بأنه استثناء متصل اختلفوا: فمنهم مَنْ قال: هو مستثنى من قوله: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } إلى قوله: { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } وقال أبو البقاء: " والاستثناءُ راجعٌ إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السَّبعُ " وليس إخراجُه المنخنقة منه بجيدٍ. ومنهم مَنْ قال: " هو مستثنى مِنْ " ما أكل السَّبُع " خاصة. والقول الثاني: أنه منقطعٌ أي: ولكن ما ذَكَّيْتم من غيرها فحلال، أو فكلوه، وكأنَّ هذا القائلَ رأى أنها وَصَلَتْ بهذه الأسباب إلى الموت أو إلى حالةٍ قريبة منه فلم تُفِدْ تَذْكِيتُها عندَه شيئاً. والتذكية: الذَّبْحُ، وذَكَت النارُ: ارتفعَتْ، وذَكَى الرجلُ: أَسَنَّ، قال:
1693- على أعراقهِ تَجْري المَذاكي   وليس على تقلُّبِه وجُهْدِهْ
قوله: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } رُفِع أيضاً عطفاً على " الميتة " واختلفوا في النصبِ فقيل: هي حجارةٌ كانوا يَذْبحون عليها فـ " على " هنا واضحةٌ، وقيل: هي للأصنام لأنها تُنصَب لتُعْبَدَ، فعلى هذا في " على " وجهان، أحدُهما: أنها بمعنى اللام أي: وما ذُبِحَ لأجل الأصنام.

السابقالتالي
2 3