قوله تعالى: { أكان للناس عجباً } سبب نزولها: أن الله تعالى لما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم أنكرت الكفار ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد، فنزلت هذه الآية. والمراد بالناس هاهنا: أهل مكة، والمراد بالرجُل: محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى { منهم }: يعرفون نسبه، قاله ابن عباس، فأما الألِف فهي للتوبيخ والإِنكار. قال ابن الأنباري: والاحتجاج عليهم في كونهم عجبوا من إِرسال محمد، محذوف هاهنا، وهو مبيَّن في قوله:{ نحن قسمنا بينهم معيشتهم } [الزخرف 32]، أي: فكما وضح لكم هذا التفاضل بالمشاهدة، فلا تنكروا تفضيل الله مَنْ شاء بالنبوة؛ وإنما حذفه هاهنا اعتماداً على ما بيَّنه في موضع آخر. قال: وقيل: إِنما عجبوا من ذكر البعث والنشور، لأن الإِنذار والتبشير يتصلان بهما، فكان جوابهم في مواضع كثيرة تدل على كون ذلك، مثل قوله:{ وهو أهون عليه } [الروم: 27]، وقوله:{ يحييها الذي أنشأها أول مرة } [يس: 79]. وفي المراد بقوله: { قَدَم صدق } سبعة أقوال: أحدها: أنه الثواب الحسن بما قدَّموا من أعمالهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وروى عنه أبو صالح قال: عمل صالح يَقْدمون عليه. والثاني: أنه ما سبق لهم من السعادة في الذِّكر الأول، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: سابقة صدق. والثالث: شفيع صدق، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم يوم القيامة، قاله الحسن. والرابع: سَلَفُ صدق تقدّموهم بالإِيمان، قاله مجاهد، وقتادة. والخامس: مقام صدق لا زوال عنه، قاله عطاء. والسادس: أن قدم الصِّدق: المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج. والسابع: أن القدم هاهنا: مصيبة المسلمين بنبيِّهم صلى الله عليه وسلم وما يلحقهم من ثواب الله عند أسفهم على فقده ومحبتهم لمشاهدته، ذكره ابن الأنباري. فإن قيل: لِم آثر القَدَم هاهنا على اليد، والعرب تستعمل اليد في موضع الإِحسان؟ فالجواب: أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم، لأن العادة جارية بتقدُّم الساعي على قدميه، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يُتقدَّم فيه ولا يقع فيه تأخُّر، قال ذو الرمة:
لكم قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّها
مع الحَسَب العادِيّ طَمَّتْ على البحر
فإن قيل: ما وجه إِضافة القدم إِلى الصدق؟ فالجواب: أن ذلك مدح للقدم، وكل شيء أضفته إِلى الصدق، فقد مدحته؛ ومثله:{ أدخلني مُدْخَل صدق وأخرجْني مخرج صدق } [الاسراء: 80]، وقوله:{ في مقعد صدق } [القمر: 55]. وفي الكلام محذوف، تقديره: أوحينا إِلى رجل منهم، فلما أتاهم الوحي { قال الكافرون إِن هذا لسحر مبين } قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «لَساحر» بألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «لَسحر» بغير ألف. قال أبو علي: قد تقدم قوله: { أن أوحينا إِلى رجل منهم } فمن قال: ساحر، أراد الرجل؛ ومن قال: سحر، أراد الذي أُوحي، سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إِنه وحي، سحر.